معتقل قصر الطير
قصر الابطال
معتقل الموت البطيئ
لقد جاء الفاتح من نوفمبر اثر ليل استدماري طويل، عاش
من خلاله الشعب الجزائري طيلة 130 سنة تحت رحمة و حكم الاستعمار الفرنسي
البغيض، وتعرض خلال تلك الفترة إلى الإبادة الروحية والجسدية بهدف قتل روح
الثورة في نفوس الشعب الجزائري والتي لم يعرف فيها مذاقا للحرية ولا طعما
للحياة بعد أن جثم على صدره نظام جائر متعسف من بين أول أهدافه إبادة
الشعب والاستحواذ على أراضيه وممتلكاته وتسخير الجزائريين بجميع الفئات
لخدمة أغراضه وتحقيق الرفاهية للمشردين و المنبوذين من أبنائه اللذين
اختار لهم ارض الجزائر موطننا يتبوءون منه حيث يشاءون وتستخلص لهم نعم
وثروات البلاد دون أهلها .
وبغية التعرف أكثر على حجم المجازر والماسي الدامية التي اقترفها الاستعمار الفرنسي ضد شعبنا، قمنا بزيارة إلى معتقل
قصر الأبطال رفقة رئيس البلدية و مجموعة من مجاهدي الولاية لهذا المعلم
التاريخي، الذي اشتهر بفضاعة أعماله ضد المعتقلين وبشاعتها حتى أطلق عليه
أنذالك معتقل
الموت البطيء حيث كان مصير الداخل إليه الموت أو فقدان العقل، جراء
الوحشية والتعذيب بهذا المكان الذي يصعب الفرار منه نظرا لإستراتيجيته
التي اختارها العدو كموقع له، حيث شيد على ارض واسعة مكشوفة يصعب
للمجاهدين التقرب منها، وكان ذلك سنة 1957 بعد أن استحوذ الاستعمار على
منطقة قصر الطير وتمركز فيها. وقد جند لبنائه أزيد من 30 مسجونا جيء بهم
من مختلف الولايات وكان المخطط الهندسي للمعتقل يتكون من 30 بيتا مقسمة
إلى تسعة أقسام تحتوي على مراقد وقاعات للتعذيب وتقدر المساحة الكلية
للمعتقل ب10 هكتارات محاطة بثلاثة أنواع من الحواجز: الأول وهو عبارة عن
حاجز أسلاك شائكة مزروعة بالألغام يبلغ عرضها 6 أمتار والثاني خط مجهز
بالأضواء الكاشفة والثالث عبارة عن حائطين تجوبه الكلاب البوليسية دون
توقف.
وقد مر بهذا المعتقل أزيد من 200 سجين من الفدائيين والمجاهدين
والمواطنين واغلبهم من أبناء تلك الجهة، وفي أواخر سنة 1959ازداد عدد
المعتقلين ليصل إلى حوالي 3000 سجينا بعد أن أصبح العدو يحول إليه
المعتقلين من جميع أنحاء الوطن لبشاعة النظام المطبق فيه والتي اشتهر بها.
شهادات حية:
وبغية الوقوف أكثر على ما سبق ذكره يحدثنا ابن المنطقة المجاهد "لخضر سلوم " الامين العام الحالي لمنظمة المجاهدين بقصر الابطال عن دخوله المعتقل، اعتقلت يوم 5 أوت 1958 وحولت على معتقل
قصر الطير ووجدت فيه العديد من المجاهدين من مختلف النواحي والولايات،
وكان في استقبالنا مجموعة من جنود العدو بادرتنا بتسليط مجموعة من الكلاب
نهشت لحومنا وصرنا كالفرائس تتلاعب بنا الكلاب كما تشاء ثم طلب منا نزع
أحذيتنا والجري على حصى حادة الإطراف والكلاب تلاحقنا وقد استمر تعذيبنا
طيلة ذالك اليوم بأبشع الصور ومع مرور الأيام اتضح لنا أن تلك العقوبات لم
تكن إلا جزا قليلا من التعذيب والأعمال الشاقة حيث نأمر بحفر التراب وعجنه
بأقدام حافية ثم تحويله إلى قوالب من الطوب و نقوم بحملها على الأكتاف
وإدخالها إلى المعتقل للبناء بها وفي كثير من الأحيان يطلب منا إعادة هدم
ما انشأ ناه وإرجاعه إلى المكان الأصلي وإعادة تفتيته وعجنه من جديد وتكرر
هذه العملية كل يوم أو يقوم العدو بأخذنا إلى الواد القريب من المعتقل
ليلا ونحن شبه عراة حيث كانت تعمه الأوساخ والروائح الكريهة فيلقى بنا في
مياهه القذرة فيتعرض البعض منا إلى جروح نتيجة الزجاج المكسر أو إلى لسعات
الحشرات المسمومة فيعود بعضنا محمولا على الرافعات الخشبية إلى المعتقل
بعد الإصابة بإرهاق أو أمراض كما أن العدو ولأتفه الأسباب أيضا يمنع عن
المعتقلين الطعام فلم نكن نستطيع الإضراب لان الوجبة التي كانت تقدم إلينا
لا تسد حتى رمق الجوع ومن أعمال التعذيب الشاقة أيضا يأمر المعتقلين بجمع
الحجارة في مكان غير بعيد عن المعتقل ثم يطلب منهم القيام بتكسيرها ببعضها
البعض وتحويلها إلى حصى يتم تفريش الأرض بها وفي كثير من الأحيان يساق
ببعض المعتقلين إلى الحبس الانفرادي دون أي سبب معين ويقومون بإحباط
معنوياتهم بسب والشتم حيث تنصب مكبرات الصوت ليلا عند مراقد المجاهدين
فتنعتهم بالمجرمين والقتلة وتصفهم بأبشع الوصائف المشينة وهذه الوضعية كان
يعيشا جميع المعتقلين والذين يزداد عددهم من يوم إلى أخر حتى أصبح المعتقل
يضم تسعة أقسام وكل قسم يضم أربعة مراقد وكل مرقد يحتوي على أربعة غرف و
كل غرفة ينام بها 16 معتقلا كما أن العدو قام بانجاز جناح خاص سمي بقسم
غسل المخ وتزويده بضباط أخصائيين في هذا النحو بحيث يقومون بتنظيم دروس
وطرح أسئلة للمجاهدين والفدائيين قصد العدول عن أفكارهم الثورية و كان
الكثير منهم يتصدون بالامتناع رغم علمهم بما كان ينتظرهم من تعذيب وعقاب.
وبرغم من كل هذا ثبت المجاهدون على مبادئهم إلى درجة انه يصاب الواحد منهم
بالجنون أو تقطع أطرافه أو أجزاء من جسمه ولا يرضى أن يصبح في صف العدو
.هكذا ضل هذا المعتقل منعزلا عن العالم الخارجي بسبب التظيق الذي يفرضه
العدو بحيث منعت الرسائل وزيارات أهالي المعتقلين إليه فظلت هذه الحقائق
والماسي حبيسة أذهان كل الجاهدين الذين اعتقلوا فيه إلى غاية الاستقلال
فخرج كل من كان فيه وكان عددهم 3200 معتقلا منهم من خرج سالما ومنهم من
خرج مجنونا أو أصيب بمرض مزمن.
الله يرحم كل شهدائنا الابرار
معا خالص تحياتي
بلسم