التاريخ يعيد نفسه وفلسفة المستعمر دائما واحدة، فلسفة الثعبان المقدس قصيدة كتبها الشاعر الثائر أبو القاسم الشابي في بدايات القرن الماضي أبان استعمار بلاده تونس، فلسفة الثعبان المقدس هي فلسفة القوة المثقفة في كل مكان. وكما تحدث الثعبان في القصيدة المدرجة إلى الشحرور(عصفور مغرد) بلغة الفلسفة المتصوفة حينما حاول أن يزين له الهلاك الذي أوقعه فيه فسماه (تضحية) وجعله السبيل الوحيد للخلود المقدس. كذلك تتحدث اليوم سياسة الغرب إلى الشعوب الضعيفة بلغة الشعر والأحلام حيثما تحاول أن تسوغ طريقها في ابتلاعها والعمل على قتل ميزاتها القومية فتسميها (سياسة الدمج) وتتكلم عنها كالسبيل الوحيد الذي لا معدي عنه لهاته الشعوب،أذا ارادت نيل حقوقها في هذا العالم وبلوغ الكمال الإنساني المنشود، ولكن الفناء حقيقة شنيعة مبغضة، لا ينقص من فظاعتها وكرهها كل ما في التصوف والفلسفة والشعر من خيال وأحلام,
قال الشهيد الذي ما ثناه عن حمل هموم أمته اصابته بتضخم القلب القاتل وربما هذا الهم الثقيل هو ما انتشله شابا زاخرا بالحياة، حيا إلى يومنا هذا بروحه الثائرة التي تطلع علينا من قصائدة الخالدة:
كانَ الربيعُ الحُيُّ روحاً، حالماً** غضَّ الشَّبابِ، مُعَطَّرَ الجلبابِ
يمشي على الدنيا، بفكرة شاعرٍ** ويطوفها، في موكبٍ خلاَّبِ
والأُفقُ يملأه الحنانُ، كأنه** قلبُ الوجود المنتِجِ الوهابِ
والكون من مظهرِ الحياة كأنما** هُوَ معبدٌ، والغابُ كالمحرابِ
والشّاعرُ الشَّحْرورُ يَرْقُصُ، مُنشداً** للشمس، فوقَ الوردِ والأعشابِ
شعْرَ السَّعادة والسَّلامِ، ونفسهُ** سَكْرَى بسِحْر العالَم الخلاّبِ
ورآه ثعبانُ الجبالِ، فغمَّه **ما فيه من مَرَحٍ، وفيْضِ شبابِ
وانقضّ، مضْطَغِناً عليه، كأنَّه** سَوْطُ القضاءِ، ولعنة ُ الأربابِ
بُغتَ الشقيُّ، فصاح في هزل القضا** متلفِّتاً للصائل المُنتابِ
وتَدَفَّق المسكين يصرخُ ثائراً:** «ماذا جنيتُ أنا فَحُقَّ عِقابي؟»
لاشيءِ، وإلا أنني متعزلٌ** بالكائنات، مغرِّدٌ في غابي
«أَلْقَى من الدّنيا حناناً طاهراً** وأَبُثُّها نَجْوَى المحبِّ الصّابي»
«أَيُعَدُّ هذا في الوجود جريمة ً؟!** أينَ العدالة ُ يا رفاقَ شبابي؟»
«لا أين؟، فالشَّرْعُ المقدّسُ ههنا** رأيُ القويِّ، وفكرة ُ الغَلاّبِ!»
«وَسَعَادة ُ الضَّعفاءِ جُرْمُ..، ما لَهُ** عند القويِّ سوى أشدِّ عِقَاب!»
0ولتشهد- الدنيا التي غَنَّيْتَها **حُلْمَ الشَّبابِ، وَرَوعة َ الإعجابِ
«أنَّ السَّلاَمَ حَقِيقة ٌ، مَكْذُوبة** ٌ والعَدْلَ فَلْسَفَة ُ اللّهيبِ الخابي»
«لا عَدْلَ، إلا إنْ تعَادَلَتِ القوَى** وتَصَادَمَ الإرهابُ بالإرهاب»
0 فتَبَسَّمّ الثعبانُ بسمة َ هازئٍ **وأجاب في سَمْتٍ، وفرطِ كِذَابِ:
«يا أيُّها الغِرُّ المثرثِرُ، إنَّني** أرثِي لثورة ِ جَهْلكَ التلاّبِ»
والغِرُّ بعذره الحكيمُ إذا طغى **جهلُ الصَّبا في قلبه الوثّابِ
فاكبح عواطفكَ الجوامحَ، إنها** شَرَدَتْ بلُبِّكَ، واستمعْ لخطابي»
أنِّي إلهٌ، طاَلَما عَبَدَ الورى** ظلِّي، وخافوا لعنَتي وعقابي»
وتقدَّوموا لِي بالضحايا منهمُ **فَرحينَ، شأنَ العَابدِ الأوّابِ»
«وَسَعَادة ُ النَّفسِ التَّقيَّة أنّها **يوماً تكونُ ضحيَّة َ الأَربابِ»
«فتصيرُ في رُوح الألوهة بضعة ً،** قُدُسية ٌ، خلصت من الأَوشابِ
أفلا يسرُّكَ أن تكون ضحيَّتي **فتحُلَّ في لحمي وفي أعصابي»
وتكون عزماً في دمي، وتوهَّجاً** في ناظريَّ، وحدَّة ً في نابي
«وتذوبَ في رُوحِي التي لا تنتهي **وتصيرَ بَعََض ألوهتي وشبابي..؟
إني أردتُ لك الخلودَ، مؤلَّهاً** في روحي الباقي على الأحقابِ..
فَكِّرْ، لتدركَ ما أريدُ، وإنّه** أسمى من العيش القَصيرِ النَّابي»
فأجابه الشحرورُ ، في غُصًَِ الرَّدى** والموتُ يخنقه: «إليكَ جوابي»:
لا رأى للحقِّ الضعيف، ولا صدّى** ، الرَّأيُ، رأيُ القاهر الغلاّبِ
«فافعلْ مشيئَتكَ التي قد شئتَها **وارحم جلالَكَ من سماع خطابي
وكذاك تتَّخَذُ المَظَالمُ منطقاً **عذباً لتخفي سَوءَة َ الآرابِ
أضف الى مفضلتك