خواني الأعزاء .
أردت التكلم اليوم عن موضوع هام جدا وحساس ألا وهو موضوع القبائل الشاوية في منطقة الأوراس وأصولها ، حيث كثر الكلام حول أصولها أو يمكن أن نقول كثر اللغط حول أصول سكان هذه المنطقة العريقة الضاربة بجذورها في عمق التاريخ الإنساني . فمعروف أن سكان هذه المنطقة والتي أتشرف بالإنتماء إليها هي أصول أمازيغية لا غبار عليها ، بل أكاد أجزم أن أمازيغ الأوراس هم الأمازيغ الأقحاح الذين لم يختلطوا بالعناصر الأخرى التي قدمت إلى المنطقة من فينيقيين ورومان وعرب وغيرهم حيث بقوا محافظين على نقاوة عرقهم الأمازيغي ووقفوا دائما كالشوكة في حلق الإحتلال والإستعمار الدخيل مهما كان اسمه ومهما تعددت طرقه وأساليبه والتي هدفها في النهاية تدمير الشعوب والحضارات الأخرى والإبادة بمختلف أنواعها سواء العرقية أو الفكرية .
أرجو من الإخوة والأخوات أن لا يفهموا من كلامي أنني عنصري أو أنني أصف الأمازيغ بأكثر مما يستحقون ، ولكنني أسوق حقائق تاريخية عن عدم اختلاط الشاوية الأمازيغ بالأمم الأخرى ، فمثلا قبيلة بني فرح التي أنتمي إليها فرغم مجاورتنا للقبائل العربية مثل أولاد زيان والسحاري في منطقة بسكرة ليس ليوم أو لأسبوع أو لشهر ولكن لقرون عديدة ، إلا أنه لم يقع بيننا اندماج كبير يذكر أو ذوبان في نسيج اجتماعي لغوي والعكس صحيح ، فلا توجد بيننا مثلا علاقات مصاهرة ، وكذلك بالنسبة لللغة فهم يتكلمون العربية ونحن نتكلم الشاوية وكذلك الإختلاف في الأشكال والألوان والصفات الموفولوجية مثلا العرب يتميزون بالبشرة السمراء أما نحن فنتميز بالبشرة البيضاء ويكثر عندما الشقر أصحاب الشعر الأصفر والعيون الزرق ونفس الشيء يقال عن للقبائل الشاوية الأخرى فطول المجاورة دون وقوع اختلاط يؤدي بنا إلى القول بأن عدم وجود اختلاط بين الشاوية والعناصر الأخرى التي قدمت إلى المنطقة .
وهذا التموقع على الذات لا يجب أن يفهم منه أنه واقع بين الأمازيغ والعرب فقط أو أن هناك عداوة خاصة بين الأمازيغ والعرب فالأمازيغ والعرب إخوة وتجمع بينهم علاقات المحبة والدين الواحد وكذلك المصير المشترك أما بالنسبة لإنعدام علاقات المصاهرات والزاوج بين الطرفين فقد كان على عهد مضى عندما كان أغلب السكان يقطنون بشكل منعزل في الأرياف والقرى على شكل تجمعات قبلية حيث أن كل قبيلة تحاول أن تتقي شر الأخرى أما اليوم وقد أضحى أغلب السكان يقطنون المدن فقد أدى ذلك إلى زوال بعض تلك المظاهر ووقوع إختلاط بين الشعبين العظيمين ثم أن هذه الظاهرة ليست مقتصرة على الأمازيغ والعرب فقط بل إننا نجدها بين القبائل الأمازيغية نفسها حيث أن كل قبيلة شاوية هي في حد ذاتها تشكل كيانا مستقلا منغلقا على ذاته بالنسبة للقبائل الأخرى رغم أن جميعها من أصل واحد إلا أن الحزازات بينها كبيرة جدا وربما أكبر من تلك التي بينها وبين القبائل العربية حيث نجد أفراد القبيلة مثلا لا يتزوجون إلا من أفراد قبيلتهم وإذا حدث وأن تمت مصاهرة بين شخصين من قبيلتين مختلفتين وهذا نادر جدا ثم عير أحد الزوجين بقبيلته أو انتماءه فيمكن أن يكون ذلك سببا في قيام حرب بين القبيلتين وهذه العقلية في الحقيقة هي سمة من سمات الشخصية البربرية ولذلك فإنه يقال أن ألد أعداء الشاوي هو الشاوي نفسه فإذا كان شعار العربي أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الأجنبي فشعار الشاوي هو أنا وابن عمي على أخي وأنا والأجنبي على ابن عمي .
وفي الحقيقة فإن هذه العقلية لم تأتي هكذا عبثا ولكنها نتيجة تراكمات طبيعية وتاريخية وذلك نظرا لتعرض المنطقة على مر التاريخ لموجات من الاحتلال والهجرات البشرية وما جرته معها من حروب وويلات وغزو عسكري وفكري أدى ذلك بالسكان الأصليين للمنطقة إلى الانعزال في المناطق الجبلية والصحراوية المعزولة في محاولة للحفاظ على الذات والهوية من الزوال والاندثار .
أما بالنسبة لموضوعنا وهو حول أصول سكان الأوراس وبالتحديد سكان منطقة الجنوب والجنوب الغربي من الأوراس أي السلسلة الجبلية الممتدة من جبل حمر خدو الواقع بين ولايتي باتنة وبسكرة إلى غاية الجبال المطلة على نقاوس بولاية باتنة فسوف أحاول أن أسوق مختلف الأقوال والآراء التي قيلت حول سكان المنطقة والتي استطعت أن أحصل عليها رغم قلة المصادر التي تحدثت عن أصول سكان المنطقة وشح المعلومات والأخبار والتي وإن وجدت فهي غير ثابتة أو غير مقنعة ونجدها في الغالب تتميز بروح الأسطورة الغير قابلة للتصديق وسوف أنقل هذه الروايات كما وردت في كتاب صدر مؤخرا عنوانه : منعة جوهرة الأوراس تاريخها في القديم والحديث للمؤلف السبتي بن بلقاسم بودوح وهو ابن المنطقة نقل فيه مختلف الروايات التي تحدثت عن أصل سكان الأوراس ثم نحاول بعد ذلك مناقشة هذه الروايات بالقدر الذي نقدر عليه والله ولي التوفيق .
]أصل سكان الأوراس وحركتهم : من كتاب منعة جوهرة الأوراس من ص 97 إلى 103 :
إذا رجعنا إلى الوراء في التاريخ نجد أن حالة سكان الأوراس لم تبق على حالها وأن القبائل التي كانت في الزمن الماضي تبدلت بفعل تنقلها من مكان إلى آخر بسبب فقر المنطقة وكذلك انقراض البعض منها جراء الأمراض الفتاكة والحروب المستمرة ، لأن الأوراس معروفة في التاريخ بأن سكانه لم يرضخوا أبدا للإستعمار الدخيل وكانوا يتخذون مواقف مستميتة ضد الغزاة ، فكانت حياتهم كلها حرب منذ دخول الرومان إلى إفريقية .
في عهد الرومان بالأخص من القرن الثاني إلى السادس ميلادي كان سكان الأوراس منهم سكان منعة طبعا متكونين من قبائل مختلفة مثل : هوارة وازناتة ونفوسة وكتامة وكذلك لواتة ونفزاوة .
بطون لواتة ونفزاوة
لوا الأكبر بن زحيك بن مادغيس الأبتر له ولدان هما : نفزاو ولوا الأصغر ، فمن ولد نفزاو نفزاوة وإخوانهم بنوا لوا الأصغر اختصوا بإسم ( لواتة ) . فأما لواتة كانوا ضواعن ، ولهم في الخارجية مواقف ، وفي حرب بني عبيد مقامات فأكلتهم الحروب وأغرقهم سيل الهلاليين فلم يكن لهم في العصر البربري كبير يذكر .
يعرف باسم لواتة ثلاث فرق :
الأولى بالأوراس وهم بنوا سعادة وبنو ريحان وبنو باديس ويدهم هي العالية على من هناك من هوارة وكتامة . وقال ابن خلدون ( تبلغ خيالتهم ألفا وتجاوز رجالاتهم العدة ) ثم غلب عليهم الهلاليون فصار بنوا سعادة في أقطاع أولاد محمد من الذواودة ومن جملة رعاياهم . ودخل بنو ريحان وبنو باديس في طاعة ابن مزني صاحب بسكرة .
في القرن السادس ميلادي ( 539 ) فتح الرومان الأوراس والحضنة ووطن سطيف لكن لم تثبت قدمهم بالأوراس ، فاكتفوا باتخاذ حصون قوية شاملة .
أما الأمراء الذين على الأوراس فهم :
1) ارثياس كان على غربي أوراس إلى الحضنة
2) بيداس كان على جبل أوراس .
3) قطر يناس كان شرقي أوراس .
هؤلاء الأمراء كانوا مستقلين بنواحيهم . ووحدوا القبائل التي تحت سلطتهم وردوا لها قوتها الحربية لما ضعفت السلطة الواندالية .
واسترجع البربر على عهدهم كثيرا من الأراضي التي كان الرومان قد استولوا عليها . وصار شعارهم : " أرض البربر للبربر " .
إنه لمن الصعب جدا ابداء رأي خاص في تكوين وتشكيلة الشاوية الحاليين .
هل يمكن انطلاقا من فرضية ( كاريط carette ) اعتبار كل البربر أزناتيين ؟ وهل يمكن حسب ( ماسكاري masqueray) أن اعتقاد ( أبروكوب procope ) وابن خلدون الرافضين والمستبعدين فرضية أزناتيين فيما يخص أولاد داود وأولاد عبدي وإسنادهم أو منحهم أصل ( رومان البربر ) ؟
وهل هاتان القبيلتان( أولاد داود وأولاد عبدي ) منحدرتين من خليط قوم يهود ونصارى التجأوا إلى الجبال في عهد الغزو العربي ؟
وخلاصة القول هل نأخذ الأسطورة التي تقول إن أتوابا وأولاد عبدي وقوم نارة ومنعة لهم ( بورك ) كأول جد .
ومن الصعب جدا التأكد والتحقق من هذه النقطة .
حسب الروايات المحلية والمنقولة وكذلك العرف فإنه في القرن الرابع عشر أو الخامس عشر قام أولاد عبدي بطرد سكان هوارة وأعوادسية وأولاد أعزيز من وادي عبدي وحلوا محلهم .
رغم هذه الآراء والإختلاف بين المؤرخين فإني سأركز في شأن سكان منعة والمنطقة على الروايات المتداولة بكثرة في منعة وغيرها ثم أشير وأذكر البعض منها مستندا في ذلك إلى بعض المراجع التي ذكرت القبائل المنحدرة من أصل بورك .
من هو بورك
هناك رواية تقول أن بورك أصله روماني .
.... أما المثقفون غير قابلين لما ذكر آنفا فيما يخص أصل بورك . ظغن السيد سي السعيد محمد ذو الإنارة القوية والمعرفة وكان قاضي الأوراس في الماضي والذي هو موجود في سيدي عقبة يقول أن بورك روماني . أما شيخ نارة هو أيضا صاحب معرفة واسعة في العادات والأخبار التي لم تدون يصعد بسلالة ونسب بورك إلى النبي عليه السلام . فيقول بورك بن علي بن محمد بن أحمد بن الشيخ بن الشيخ الثاني بن أطراد ( atrad ) بن أتري ( atri ) بن علي بن هلال بن محمد بن عامر الأنصاري الذي بعث من طرف سي عثمان من أجل نشر الدعوة الإسلامية بجيش من المجاهدين تعداده خمسمائة من التابعين المعتنقين والمتشبعين بعقيدة النبي عليه السلام ، والأول الذي دخل إلى الأوراس الغربي هو بورك بن علي ومنه انحدر أولاد داود وأتوابة وأولاد عبدي وقوم نارة . أتوابة هم أولاد عبد الله بن بورك . قوم منعة ونارة هم أيضا أولاد عبد الله . أولاد عبدي وأولاد سيدي بلخير هم أولاد علي بن بورك . والكل يكون نفس القبيلة ويسكنون تحت سقف أو خيمة واحدة .
ما يورث خلفا عن سلف من الأقاويل والأخبار التي لم تدون
سكان منعة الحليين ينقسمون إلى أربعة فروع : 1) أولاد سليمان بن سعد 2) أولاد أخليفة بن سعد . 3) أولاد أخليف بن سعد . 4) أولاد أحمد بن منج هم ( أحند أويحة ) بن سعد بن عبد الله بن بورك . نجد هذه المعلومات مطابقة لما ذكر في المجلة الإفريقية .
زواج بورك ( ترجمة من كتاب جيرمين تيليون )
في تاقوست يقولون أن بورك تزوج ثلاث مرات :
1) توبة وهي أم أتوابا .
2) عبدة وهي أم أولاد عبدي .
3) عائشة البلهاء وهي أم قوم نارة ومنعة الذين كانوا جيران مكروهين وممقوتين من طرف قوم تاقوست .
أما في أولاد عبدي يقولون أن بورك تزوج بإمرأتين فقط وبكر الأولاد هو الذي انحدر منه أولاد عبدي وقوم بني أفرح . أما البلهاء الصغيرة ( عائشة ) هي أم أتوابا أعداء مستهدفين لأولاد عبدي .
في منعة يقولون أن الأعمى بورك تزوج مرتين . ومن المرأة الأولى انحدر نصف قوم أولاد عبدي وجميع قوم أتوابا . أما قوم منعة ونارة من الجدة البلهاء .
أما الرجل الذي يعلمني ويخبرني وهو الرفيق – تقول جيرمين تيليون – يسند انحدار واحد فقط بدون نقاش وذلك لأنه يحمل اسم الفرقة المتكونة من أولاد عائشة .
إننا نجد نسب بورك الذي يصعد إلى النبي عليه السلام ومذكورا في كتاب ( جرمين تيليون ) بعنوان ( كان ذات مرة علم البحث في أصول الشعوب ) في صفحته ( 81 ) حيث أن ما تب هو صورة مطابقة لما كتب في المجلة الإفريقية كما سلف الذكر وكأن الرواي شخص واحد رغم البعد الزمني بين المؤلفين والكتابين .
تقول جرمين تيليون : حينما نقرأ باهتمام الجدول الآتي نستنتج دون صعوبة ، أولا أن المؤلف ( يعني مؤلف الجدول ) ينتسب إلى العرش الكبير أولاد عبدي .
ثانيا وأن هذا العرش ينقسم إلى قسمين متعاديين .
ثالثا وأن المؤلف مثقف بالعربية وضع هذا الجدول من الروايات المسموعة والتقليدية المألوفة .
بورك مع توبة الزوجة الأولى :
1) علي جد قسمين لأولاد عبدي ( تاغيت سيدي بلخير وأولاد عزوز
2) عبد الله جد ثلاث مجموعات في أحمر خدو لم تحدد .
3) أسعادة جد ثلاثة قرى مهمة بشمال الأوراس منعو ، نارة ، أمنطان .
4) يوسف جد أولاد لخضر قرب باتنة
بورك مع عائشة البلهاء :
1) عبد الرحمان جد عرش أحمر خدو .
2) داود جد لفرقة ذات أهمية تابعة للتوابا .
3) عبدي جد لجزء كبير من عرش أولاد عبدي .
4) حماشي جد لفرقة قرب تبسة .
5) أيوب جد العدو اللدود لعرشنا أولاد عبد الرحمان
تقول جرمين تيليون :
قصة بورك الجد تحكى وتدور في كل مكان وتعتبر أنها حدث تاريخي لا ينازع فيه أحد .
يقولون نعم بورك هو جد الشاوية، نعم هو جد ملحد... قيل بورك – قال أحد الرجال سافر وجال – ( كانوا رجالا عريا وحوشا... بعد الوحوش جاء بورك من الجنوب، المسألة الوحيدة التي تنقصه أنه لا يصلي ) ( بورك من بني بربر ) ... أوضح أحد المثقفين من تاقوست : أن بورك عادل في سيره .
( وقال أحد من منعة بعد بورك جاء العرب ) ( والعرب قالوا لبورك تكون مسلما أو تموت ، كان خائفا ثم قال أقبل أو قبلت )والعرب يقولون لنا لستم مسلمين حقيقيين لكن موافقين ) – تقول جرمين تيليون – الموافقون الذين عرفتهم كانوا من أصدق المسلمين تعلقوا وارتبطوا بدينهم حرفيا وروحيا قابلين أن يسجدوا بكل تواضع قبل أي عالم أو أعلم منهم . "
انتهى النقل .
حول أسطورة بورك
رغم أن أسطورة بورك تعتبر حسب المقاييس الحالية مجرد خرافة إلا أنها لا تخلو من بعض الحقيقة فهذه القصة تدخل ضمن ما يعرف بالتراث الشعبي الشفوي ، فجميع القبائل المذكورة سابقا مهما اختلفت فيما بينها إلا أنها تشترك في العديد من الروايات الشعبية والأساطير القديمة المتوارثة خلفا عن سلف عن شخصيات أو أحداث لعبت دورا كبيرا أو خطيرا في تاريخ المنطقة ثم أضفيت حولها الكثير من الأساطير والخرافات ومن بين هذه الأساطير أسطورة بورك الذي يتواجد بقوة في الذاكرة الجماعية لسكان المنطقة فهو وإن كان شخصية خيالية أو لم يكن جد لهذه القبائل إلا أنه يمكننا القول بكل اطمئنان أن جميع هذه القبائل التي تشترك هذا التراث هي من أصل واحد .
أما القول بأن بورك من أصل عربي أو من الأشراف فهو قول باطل ولا يعدو كونه محاولة من محاولات البربر الإنتساب إلى العرب أو الأشراف وذلك باعتبار أن الرسول ( ص ) عربي وأن الإنتساب إلى جنس غير الجنس العربي هو انتقاص من الذات أو من شرف القبيلة وهي ظاهرة تعرف بظاهرة انتساب البربر إلى العرب فجميع القبائل الأمازيغية الكبرى ادعت الإنتساب إلى العرب وانسلخت من نسبها البربري أو تنكرت له فأصبح البربري في وطنه يخجل أن يقول أنه بربري حتى لا يثير سخرية الآخرين منه وأصبح يختلق لنفسه نسبا عربيا ثم لا يكتفي بذلك بل وينسب نفسه إلى الأشراف وإذا قلت له أنت بربري فكأنما سببته أو شتمته وهو مستعد أن يجادلك أو حتى يقاتلك من أجل ذلك ويمكننا أن نقول بكل أسف أن نظرة البربر إلى العرب خلال العهد الإسلامي تميزت بالتقديس المبالغ فيه ما يدفعنا إلى القول أن الإنسان البربري الجزائري يعاني اليوم مسألة هوية كبيرة جدا
أريد أن أشير إلى أن الشعب الجزائري والمغاربي بصفة عامة ينتمي عنصرين لا ثالث لهما ، إما إلى البربر من القبائل البربرية مثل زناتة وصنهاجة أو إلى العرب من قبائل بني هلال وبني سليم ولا صحة لمن يدعي أنه من الأشراف أو أنه من سلالة الرسول ( ص ) أما الذين يدعون بأنهم من الأشراف فنقول أنه لا يجب على الإنسان أن لا يغلب العاطفة على على سلاح العقل أو على الحقيقة ولو كانت مرة كالذي يكذب على نفسه كذبة ثم يصدقها فهناك فرق بين من يتمنى أن يكون شيئا وما هو عليه في الواقع ولو انسقنا وراء الأقوال التي تذكر بأننا من الأشراف والتي ذكرها لنا أجدادنا حول قدومنا من الساقية الحمراء ووادي الذهب لخلصنا إلى أن جميع الشعب الجزائري أصله من الساقية الحمراء وأننا جميعا أدراسة حسنيون وذلك غير صحيح وأنا شخصيا ينطبق علي ذلك فرغم أنني أنتمي إلى قبيلة بين فرح الأمازيغية إلا أن لدينا رواية متوارثة من الأجداد بأن أصلنا من الساقية الحمراء بل ولنا في ذلك شجرة نسب حصلناها من زاوية تيوت بعين الصفراء ولاية النعامة أن نسبنا يعود إلى فلان بن فلان بن بن إلى غاية الحسن بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء إلا أنه بعد بحثي في الموضوع وصلت إلى خلاصة أن هذه الروايات باطلة وشجرات الأنساب تلك ليست بالضرورة دليلا على أن أصحابها أشراف وكلها تدخل فيما عرف بظاهرة انتساب البربر إلى العرب والأشراف وكذلك انتساب العرب من بني هلال إلى الأشراف وألئك الذين يدعون النسب الشريف ماهم في الحقيقة إلا عرب أو بربر ادعوا الإنتساب إلى الأشراف لأسباب دينية أو سياسية أو نفسية .
ثم أن شيخ نارة الذي ذكر عنه أنه صاحب معرفة واسعة بالعادات والأخبار فيذكر أن بورك أرسله عثمان بن عفان لنشر الدعوة الإسلامية فقد خفي على هذا الشيخ أن الفتوحات الإسلامية في عهد عثمان بن عفان لم تتجاوز سبيطلة التي تقع بتونس وهي أقصى ما وصل إليه الجيش العربي على عهد الخليفة الراشد عثمان وأن المسلمين لم يصلوا إلى منطقة الأوراس إلا في عهد الأمويين في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان عن طريق الوالي حسان بن النعمان فكيف يذكر هذا الشيخ أن بورك أرسله عثمان على رأس جيش من خمسمائة مقاتل ؟ .
حتى وإن اختلطت على هذا الشيخ الأحداث التاريخية فإنه ذكر أن بورك جاء إلى الأوراس بهدف نشر الإسلام بين قبائل المنطقة وبالتالي فهذه القبائل تتذكر بورك على أنه داعية وليس على أنه جد لقبائل المنطقة
أما القول بأن بورك روماني فيكفينا نشير إلى من قال بهذا الرأي لنعرف أسباب هذا الإدعاء الذي لا أساس له هو كذلك ومن بينهم كما في النص المنقول ( ماسكاري masqueray) و ( أبروكوب procope ) وهؤلاء المؤرخون العسكريون الفرنسيون الذين قاموا بدراسات كثيرة حول المنطقة وحول أصول السكان وعاداتهم وتقاليدهم كان غرضهم من ذلك خدمة الإدارة الإستعمارية والتي هدفها كما لا يخفى على أحد هو طمس الهوية الجزائرية وتاريخ المنطقة وتزوير تاريخها وذلك بنسب القبائل الأمازيغية إلى أصول أوربية وتجريدها من شخصيتها انتماءها الإفريقي والإسلامي .
أما القول الأصح فهو الذي ذهب إليه ابن خلدون منذ أكثر من ثمانية قرون وهو قول صريح واضح وجلي لا غبار عليه فقد ذكر ابن خلدون أن سكان المنطقة الممتدة من جبل حمر خدو إلى غاية الجبال المطلة على نقاوس ترجع في نسبها إلى قبيلة لواتة الأمازيغية العريقة قال ابن خلدون"قال ابن سابق وأصحابه: بنو بيزغاش من لواتة كلهم بجبال أوراس "
وبنو بيزغاش يرجعون في نسبهم إلى قبيلة نفزة أو نفزاوة اللواتية البترية الأمازيغية
وللعلم فإن قبيلة بيزغاش هي القبيلة التي ينتمي إليها طارق بن زياد الفاتح الشهير فهو كما ورد نسبه في كتاب الأنساب لعبيد الله بن عبد الحليم الإيلاني "طارق بن زياد بن عبد الله بن ونمو بن ورفجوم بن بيزغاش " الولهاصي النفزي اللواتي البتري البربري من جبال الأوراس
والدليل على طارق بن زياد من جبال الأوراس هو أن عائلته كانت تقيم بجبل أوراس فقد ذكر المؤرخون أن عاصم ابن جميل الورفجومي البيزغاشي الولهاصي النفزي اللواتي البتري البربري هو ابن أخت طارق بن زياد كان أميرا لقبيلة ورفجومة وكان يقطن بجبل أوراس
قال ابن خلدون " فلحق عبد الوارث بورفجومة ونزل على أميرهم عاصم بن جميل بأوراس وكان كاهناً فأجاره وقام بدعوة أبي جعفر المنصور واجتمعت إليه نفزاوة
أما طارق بن زياد فكان أميرا على قبائل ورفجومة البربرية التي كانت على عهد الفتح الإسلامي من أقوى قبائل البربر قال ابن خلدون " وكان ورفجومة هؤلاء أوسم بطون نفزاوه وأشدهم بأسا وقوة " ثم ورثه بعد وفاته في زعامة قبيلة ورفجومة الأوراسية ابن أخته عاصم بن جميل الذي اعتنق المذهب الخارجي وقاد ثورة معروفة في التاريخ الإسلامي حيث كان عاصم هذا ابن أخت طارق بن زياد يكن حقدا كبيرا للعرب
وعلى عهد الفتح كانت قبائل ورفجومة كلها بجبال الأوراس ولا يذكر أي مؤرخ من المؤرخين بطن من بطونها خارج هذه المنطقة وقول ابن خلدون - "قال ابن سابق وأصحابه: بنو بيزغاش من لواتة كلهم بجبال أوراس " - هو قول واضح ولا يحتاج إلى أي تأويل وهو ينقله عن كبار نسابة البربر كسابق المطماطي وغيره وبالتالي فإن طارق بن زياد الورفجومي ينتمي إلى منطقة الأوراس التي ولد فيها وشب فيها ورضع من ثديها ثم انطلق منها على رأس جيش من 700 مقاتل مكون من قبائل ورفجومة ونفزة ولواتة الأوراس ففتح بهم تلمسان ثم اجتمع إليه 7000 مقاتل أمازيغي ففتح بهم المغرب الأقصى ثم اجتمع إليه 12000 مقاتل أمازيغي ففتح بهم الأندلس وكل ذلك انطلاقا من جبال الأوراس الشامخة .
وهناك رواية تذكر أن طارق بن زياد من إفريقية وإفريقية هي البلاد الممتدة من طرابلس بليبيا إلى غاية بجاية بالجزائر وهي بذلك تشمل منطقة الأوراس ومنطقة الزاب أين كانت تقيم جميع قبائل ورفجومة التي ينتمي إليها فاتح الأندلس وهذه الرواية موجودة في كتاب نفح الطيب للمقري التلمساني نقلا عن كتاب المغرب في حلى المغرب لابن سعيد وهذا نصها " وقال في المغرب( أي ابن سعيد المغربي ) : طارق بن زياد من إفريقية "
ويذكر غوتييه أن قبيلة ورفجومة ونفزاوة التي ينتمي إليها طارق كانت تقطن بجبال الأوراس في ذلك العهد قال غوتييه " ومنذ سنة 757 تولت قبيلة ورفجومة وبعض فروع قبيلة نفزاوة قيادة عصيان الخوارج ، وقد سبق لنا أن قلنا ما يجب قولة عن ورفجومة ونفزاوة اللتين تقطنان شرقي أوراس وجنوبه وهما من البتر ".
وجاء في كتاب البربر للدكتور عثمان الكعاك تحت عنوان البربر في الجزائر وبربر النجاد العليا أي جبال الأوراس ما يلي :
" هم البربر المتحررون الذين أقلقوا راحة الفينيقيين ، وأوقفوا فتوحات الرومان فبنوا ضدهم سلسلة من الحصون سموها ليمس وخصوصا بربر جبل الأوراس الذين هم شديدو المراس .... " إلى أن يقول " وأغلب " بربر النجاد العليا من قبيلة ورفجومة "
للعلم فإن منطقة الأوراس هي المنطقة التي أنجبت أشهر الشخصيات التاريخية الأمازيغية الثلاثة خلال مرحلة الفتح الإسلامي لشمال إفريقيا وهم كسيلة بن لمزم الأوربي ثم الكاهنة دهيا بنت تيفان الجراوية الذين قادا المقاومة الأمازيغية في وجه الفاتحين المسلمين ثم طارق بن زياد الورفجومي أشهر الفاتحين في التاريخ الإسلامي
وأغلب سكان الجنوب والجنوب الغربي من الأوراس ، ينحدرون من قبائل ورفجومة اللواتية قال ابن سعيد :
ثم يتصل بذلك جبل أوراس المشهور الذي كانت فيه الكاهنة، وسكانه أهل دعارة وعصيان لا يدخلون تحت طاعة سلطان لامتناع جبلهم العريض الطويل، ولما عندهم من الحيل والرجالة والأسلحة. وهو كثير الخيرات وأهله خوارج ومعظمهم من لواتة، وهم خلق كثير داخلون في الرعية
قال ابن خلدون وكان منهم بجبل أوراس أمة عظمية ظاهروا أبا يزيد مع بني كملان على أمره ولم يزالوا بأوراس لهذا العهد مع من به من قبائل هوراة وكتامة ويدهم العالية عليهم تناهز خيالتهم ألفا وتجاوز رجالاتهم العدة وتستكفي بهم الدولة في جباية من تحت أيديهم بجبل أوراس من القبائل الغارمة فيحسنون الغناء والكفاية.
وكانت البعوث مضروبة عليهم ينفرون بها في معسكر السلطان فلما تقلص ظل الدولة عنهم صار بنو سعادة منهم في أقطاع أولاد محمد من الزواودة فاستعملوهم في مثل ما كانت الدولة تستعملهم فيه فأصاروهم خولا للجباية وعسكرا للاستنفار وأصبحوا من جملة رعاياهم وقد كان بقي جانب منهم لم تستوفه الإقطاعات وهم بنو زنجان وبنو باديس فاستضافهم منصور بـن مـزني إلى عمله.
فلما استبد مزني عن الدولة واستقلوا بالزاب صاروا يبعدونهم بالجبلية بعض السنين ويعسكرون عليهم لذلك بأفاريق الأعراب وهم لهذا العهد معتصمون بجبلهم لا يجاوزونه إلى البسيط خوفا من عادية الأعراب.
ولبني باديس منهم أتاوات على بلد نقاوس المحيطة في فسيح الجبل بما تغلبوا على ضواحيها فاذا انحدر الأعراب إلى مشاتيهم اقتضوا منها أتاواتهم وخفارتهم وإذا أقبلوا إلى مصايفهم رجع لواتة إلى معاقلهم الممتنعة على الأعراب
يذكر ابن خلدون أن قبيلة لواتة الأوراسية كانت أقوى قبائل الأوراس وأكثرهم بأسا وقوة حيث يجاوز عدد خيالتهم على عهده ألف فارس ويمتد نفوذهم على السلسلة الجبلية الممتدة المعروفة اليوم بجبل حمر خدو إلى غاية نقاوس وذكر منهم أولاد سعادة فقط لأن ابن خلدون لم يتوغل في جبل أوراس ولم يكن على احاطة بجميع القبائل المستقرة به ولكنه ذكر اولاد سعادة لقربهم من بلاد الزاب ( بسكرة ) التي كان يعرفها جيدا حيث عاش فيها لمدة من الزمن .
القبائل الشاوية المنحدرة من ورفجومة اللواتية البترية الأمازيغية هي :
بنو سعادة وأولاد مومن وأولاد عزوز وبني فرح وأهل مشونش وأهل بنيان وأهل غسيره وأهل تيغرغار وأولاد داود وبني بوسليمان وأولاد عبدي وأولاد سلطان وأولاد داود التوابة رأولاد سي بلخير (تاغيت بلخير) وأولاد عابد وأولاد حجاز وأولاد مرزوق وأولاد يوسُف الموطّنون عندَ قبيلَة الأخضر-الحلفاويّة وأولاد سي عبد الرحمان كباش وأولاد يوب وأولاد حماشي
في الأخير أرجو من الإخوة الكرام ألا يبخلوا علينا بردودهم المميزة ومحاولة إثراء الموضوع بآراءهم وتدخلاتهم المعتمدة على الحجة والمنطق السليم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
موضوع: بحث حول أصول قبائل الأوراس الشاوية الأمازيغية 
الثلاثاء 1 يناير 2013 - 8:06
