الحمد لله الموت بالغرق شهادة ، كما روى البخاري (2829) ومسلم (1914) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ : الْمَطْعُونُ ، وَالْمَبْطُونُ ، وَالْغَرِقُ ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) .
ولا يشترط أن يكون ركوب البحر لجهاد أو لهجرة شرعية ، بل من كان سفره مباحا ، وركوبه البحر جائزا ، ثم غرق فهو شهيد .
واختلف أهل العلم فيمن ركب البحر عاصيا بركوبه ، كأن كان الغالب فيه عدم السلامة ، أو ركبه لإتيان معصية من المعاصي ، فغرق هل يعد شهيدا أم لا ؟ على قولين .
فمنهم من قال : إنه لا يعد شهيدا ، ومنهم من استظهر أنه شهيد ما لم يمت وهو يقارف المعصية .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : عن رجل ركب البحر للتجارة فغرق ، فهل مات شهيداً ؟
فأجاب : نعم ، مات شهيداً ، إذا لم يكن عاصياً بركوبه ، فإنَّه قد صحَّ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( الغريق شهيدٌ ، والمبطون شهيدٌ ، والحريق شهيدٌ ، والميت بالطاعون شهيدٌ ، والمرأة تموت في نفاسها شهيدةٌ ، وصاحب الهدم شهيدٌ ) ، وجاء ذكر غير هؤلاء .
وركوب البحر للتجارة جائزٌ إذا غلب على الظن السلامة ، وأما بدون ذلك فليس له أن يركبه للتجارة ، فإن فعل فقد أعان على قتل نفسه ، ومثل هذا لا يقال : إنه شهيد ، والله أعلم " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/22).
وقال الخطيب الشربيني رحمه الله : " واستثنى بعضهم من الغريق العاصي بركوبه البحر ، كأن كان الغالب فيه عدم السلامة ، أو استوى الأمران ، أو ركبه لشرب خمر , ومن الميتة بالطلق الحامل بزنا , والظاهر كما قال الزركشي فيما عدا الأخيرة , وفي الأخيرة أيضا أن ما ذكر لا يمنع الشهادة " انتهى باختصار من "مغني المحتاج" (2/34).
وفي "حاشية البجيرمي على الخطيب" (2/281) : " قوله : (كالغريق) أي ولو كان عاصيا بركوب البحر ، كأن ركب سفينة لا يسير مثلها في ذلك البحر لصغرها أو ثقلها . والعصيان بالتعدي بالركوب في هذه الحالة لا ينافي حصول الشهادة . ثم نقل عن بعض علماء الشافعية قوله : (كالغريق) ما لم يسيّر السفينة في وقت الغرق , ولا يمنع من شهادته ركوبها لشرب الخمر إن لم يمت بشرق به " انتهى
وعليه ؛ فإن كان المقصود بالهجرة غير الشرعية : السفر للمعصية ، أو ركوب البحر في هياجه أو بسفينة لا تصلح لركوبه بحيث لا يغلب على الظن السلامة ، ففاعل ذلك آثم ، فإن غرق فقد اختلف في كونه شهيدا ، كما تقدم .
ومن مات حال اقترافه المعصية فالظاهر أنه لا يعد شهيدا ... والله أعلم .
فقد طالعتنا وكالات الأنباء والصحف بنبأ غرق مجموعة من الشباب الجزائري الطامح إلى الهجرة إلى إيطاليا و فرنسا و اسبانيا للعمل بها، فنسأل الله - عز وجل - لهم المغفرة ولأهلهم الصبر، ولنا مع هذه الظاهرة مايلي:
الوقفة الأولى: حكم السفر والإقامة في ديار الكفـر
دار الكفـر هي التي يحكمها الكفار وتجرى فيها أحكام الكفر، ويكون النفوذ فيها للكفار وهي نوعين:
1- بلاد كفار حربيين؛ أي بينهم وبين المسلمين حرب.
2- بلاد كفار مهادنين بينهم وبين المسلمين صلح وهدنة.
أما حكم السفر والإقامة في ديار الكفـر فعلى التفصيل التالي:
أولاً: اشترط أهل العلم فيمن يسافر أو يقيم في ديار الكفر شرطين هما:
الشرط الأول: أن يكون عنده علم يدفع به الشبهات؛ لأن الكفار يوردون على المسلمين شبهات في دينهم، قال - تعالى -: إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ [آل عمران: 149]، وذلك حتى يصير المسلم شاكًا .