كان يوما حارا من أيام الصيف ، حر لم نعتد عليه في بلادنا الحارة ، و قد كان الاطفال يتباكون و العجائز يتذمرن و البقية يحاولون التكيف دونما نتيجة .
كانت مريم تتحضر صباح ذلك اليوم لزيارة صديقتها الحبلى ، حالمة بتمضية يوم لطيف الى جانبها و قد خططت لتحضير طبق كانت قد اشتهت ايام الوحم و كانت قد اقتنت لها بعض المستلزمات كي تعمر بيتها الجديد .
كانت مريم من النوع الذي يسعد باسعاد الناس ، و تحب رؤية الجميع في راحة بال و طمئنينة ، كان داخلها طفل صغير ، يريد ان يحقق الخير على يديه ، أن تنتزع ابتسامة من احد هي البطولة في عينها .
غير أنها ابتليت بحماة تكره كل ما فيها ، كل ذرة منها كانت تثير سخطها و اشمئزازها و كل شيء غير الحب يشترى .
لم تكن مريم تعرف يقينا سبب كراهية حماتها لها ، فلطالما تذللت لاضائها هي و بنتيها لكن الطريق ظل ابدا مسدودا ، فسلمت بعد لؤي بأمر واقع و محتوم و انسحبت من حياتهن الى غير رجعة ، لكن الامر امتد الى كراهية الحماة لابنها و راحت تكيد له و تعذبه بجحودها و تبتزه اما أن ترضى و يطلق زوجته و اما ان تسخط و تلعن ما كانت حية و ما ظلت تحت الثرى .
ليس أشد قسوة على المرأة الطيبة من أن ترى زوجها مغضوب عليه من قبل أمه لكن مريم تجاوزت الامر على أمل ان يهدي الله حماتها فتثوب الى رشدها و تحتضن ابنها من جديد كما حملت هونا على هون لتسع شهور و ارضعته لحولين كاملين و كابدت الشقاء الاعظم لتربيته و تعليمه .
يومها استيقظت مريم باكرا ، سعيدة بيومها ، راضية عن نفسها ، مسحت أرضية البيت بكل هدوء كي لا يستيقظ أحد ، فقد تثور ثائرتهم لاي سبب و قد تعلمت لهذا أن تتحاشى كل احتكاك و كل ما من شأنه أن يثير زوبعة أو احتجاجا ، حتى المشي على الارض ، قد روضت نفسها على طريقة خاصة كي لا تصدر أي صوت و هي تنتعل خفها و هي تنتقل من غرفة لآخرى
و استيقظ الشر من من براثنه و خرج يأجوح و مأجوج من منفاهم و سمع في ارجاء الحي صخيب و عويل، و اهتزت اركان البيت بأنبى الالفاظ ،و راح التهديد و الوعيد يتلاطم بين الثنايا .
خفق قلب مريم و تساءلت : ما الذي صنعته ؟ فيما اذنبت ؟
بدأ الغضب ينتقل الى قلب مريم الصغير فلا خير فيمن استغضب و لم يغضب ، و همت بالنزول اليهن لمواجهتهن بما يليق بهن ، و لكن زوجها المغلف بثوب الحشمة و الحياء مما صدر من أفواه أمه و أخواته ألجمها و حاول اجبارها على تجاهلن .
لكن ، هيهات أن ينكر للقنابل صوتها و آثارها .
كانت بود مريم أن تنزل بعصى تؤدب فيها أختيه و تعلمهما لم عجزت عنه حماتها و لكنها تسمرت في مكانها و ظلت ترتجف كورقة في مهب الريح .
طال الامد و استشاطت الاخوات بدل أن تهمد نار لم تعرف مريم سبب اندلاعها ، و انتقل لهيبها الى روح مريم و أحرق الاخضر و اليائس فيها فقررت المجازفة بالنزول اليهن و مخالفة أمر زوجها لمرة واحدة بحياتها ، لعلها تغسل عارا لازمها لحظة الرضوخ و الاذعان لذل حماتها و بناتها ، فكب الزيت على النار و اشتد اللهيب لهيبا و صار البيت جحيما ، فوق حجيم الطقس و مدت مريم يدها نحو احدى البنات تريد شد شعرها فأفلتت من بين اصابعها كما الماء و بسرعة البرق ، وجدت زوجها يحيل بينها و بين اخواته و انسلت أمه خلفه و امتدت اضافرها نحو وجه مريم فخدشته و شوهته - ولعل ذلك كل ما كانت تشتهيه من سنين - و لم تشعر مريم الا برغبة جامحة لشرب دم احداهن و تناول لحمهن طازجا و تخيلت نفسها لثوان هندا بنت عتبة ، و راحت تدافع زوجها للوصول الى احداهن فدفعها زوجها و سقطت أرضا و كسرت ساقها و ابتسم الشر ضاحكا مقهقها وسط حيرة الزوج و آهات مريم المنكسرة المقهورة .
ظل اليوم حارا ، و ظلت الانفس غاضبة و خاب الرجاء و انتصرت الرذيلة في ذلك اليوم الحار من الصيف