يعتقد كثير من الناس خطأ أن المنافقين هم صنف واحد ليس له أي علاقة بالمسلمين المؤمنين ، وهذا ليس صحيحاً علي إطلاقه، فالنفاق درجات، والايمان أيضًا، وحينما يصل النفاق إلي أعلي درجة يكون الإيمان في أقل درجة والعكس صحيح، والمسلم قد يكون في قلبه إيمان ونفاق تختلف درجتهما باختلاف الفرد والمنافق المحض هو الذي بلغ النفاق فيه أكبر حد حتى تلاشي الإيمان لديه وانعدم،
وهذا النوع من المنافقين الذي قلبه أسود، وهذا الذي يكون في الدرك الأسفل من النار، ولهذا كان الصحابة يخشون علي أنفسهم من النفاق ولم يخافوا التكذيب لله ورسوله، فإن المؤمن يعلم من نفسه أنه لا يُكذب الله ورسوله يقينا وهذا مستند من قال أنا مؤمن حقاً فإنه أراد بذلك ما يعلمه من نفسه من التصديق الجازم، ولكن الإيمان ليس مجرد التصديق بل لابد من أعمال قلبية تستلزم أعمالاًظاهرة كما تقدم فحب الله ورسوله من الإيمان وحب ما أمر الله به وبُغض ما نهي عنه وهذا من أخص الأمور بالإيمان.
ولذا أخبر رسول الله صلي الله عليه وسلم أن في أصحابه اثني عشر منافقاً منهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط
( رواه مسلم وأحمد وصححه الألباني ) ،
وهكذا كان فهم الصحابة رضوان الله عليهم، فقد رُوي عن حذيفه رضي الله عنه أنه قال: القلب أربعة، قلب أغلف فذلك قلب الكافر، وقلب مصفح ،وذلك قلب المنافق، وقلب أجرد فيه سراج يُزهر فذلك قلب المؤمن، وقلب فيه إيمان ونفاق فمَثل الإيمان فيه كمثل شجرة يمدها ماء طيب ومثل النفاق مثل قرصة يمدها قيح ودم فأيهما علا عليه غلب ( رواه أحمد وصححه الألباني ).
وهذا الذي قاله حذيفة رضي الله عنه موافقاً لقول الله عز وجل: (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ)
آل عمران 167.
، فقد كان مثل ذلك فيهم نفاق مغلوب فلما كان يوم أحد غلب نفاقهم فصاروا إلي الكفر أقرب.
كما رُوى عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: إن الإيمان يبدو لمظة بيضاء في القلب فكلما ازداد العبد نفاقاً ازداد القلب سوءاً، حتى إذا استكمل النفاق اسود القلب، وايم الله لو شققتم عن قلب المؤمن لوجدتموه أبيض، ولو شققتم عن قلب المنافق والكافر لوجدتموه أسود،
وقال ابن مسعود: الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل، ولهذا قال يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان فعُلم أنه من كان معه من الإيمان أقل القليل لم يخُلد في النار، وإن كان معه كثير من النفاق فهو يعذب في النار علي قدر ما معه من ذلك ثم يخرج من النار.
لهذا فإن واجب كل من دخل في الإسلام الخوف علي نفسه من النفاق أسوة بأصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم، وهم من خير البشر، فقد روي عن الحسن رضي الله عنه قوله عن النفاق : ماخافه الا مؤمن ولاأمنه الا منافق، كما قال أيضا : ما مضى مؤمن قط ولا بقى الا وهو من النفاق غير آمن، وما مضى منافق قط، ولا بقى الا وهو من النفاق آمن،
وروي البخاري في صحيحه عن ابن أبي مليكه قال أدركت ثلاثين من أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق علي نفسه ما منهم أحد يقول: إيمانه كإيمان جبريل.