الحمد لله القائل في محكم تنزله )ولقد كرمنا بني آدم(، والصلاة والسلام على النعمة المهداة، والرحمةِ المسداة، نبيِّ الأمة وسراجِ الظلمة، مَن كان الإحسانُ إلى النساء أوكدَ كلامه فقال "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ" وهو القائل محفزا معشر الآباء والأولياء من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ "مَنْ عَالَ ثَلَاثَ بَنَاتٍ فَأَدَّبَهُنَّ وَزَوَّجَهُنَّ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ".
أيها الإخوة المؤمنون..
المرأة بالإسلام مكرّمةٌ مطهّرة، وفي الملّة الغرّاء مصونةٌ معتبَرَةٌ؛ الجنّةُ لها إن أدّت فرضها وأطاعت زوجها، والفضلُ إليها إن هي ربّت ولدها فاستحقّت رضوان ربّها. وإذا صَحّ اعتقادُها، وحسُن أدبُها، وسما فكرُها كانت سِرَّ الصلاح وقوّة الإصلاح، وأسَّ الفلاح؛ والرجل بلا امرأةٍ كتاب بلا عنوان.. البيت بلا امرأة محراب ولا إمام.. ومجتمعٌ بامرأة فاسدة مفكّك الأركان، آيل إلى الزوال. كما أن المجتمع القويَّ المتماسك، لبناتُه من الأسرة الطيّبة، وطيبة الأسرة من جوهرته الغالية.
من أجل ذلك أيها الإخوة قامت مدارس التعليم الحر لتحقق غاية الإسلام من المرأة، وساندتها في ذلك الهيئات العرفية دينية واجتماعية، طلبا لأم مثالية متدينة متخلقة، في زمن كثر فيه الخبث وعلا صوت الباطل والضلال، وعلت مزامير هادمة بدعوى طلب الصلاح للمرأة، وأي صلاح. وسنقف في هذه العجالة أيها الإخوة عند بعضٍ من الثغرات التي يؤتى منها مجتمعنا صانه الله ورعاه ومن كل سوء وقاه. فلنتعاون ولنتكامل ولنرد المنكر ونكف على يد الظالم، وكفانا كلاما ونقدا لبعضنا بعضٍ، ودعاة تحرير المرأة وضربِ المجتمع من بابها، يعملون خفاء وفي العلانية ونحن متفرجون، إن المجال يسعنا جميعا لنقوم بواجبنا نحو المرأة لعلنا ندرك ونفلح.
أيها الإخوة المؤمنون..
إذا كان تنقل المرأة أحيانا لبعض الضرورة كصلة الأرحام أو ما تتطلبه مقتضيات الحياة أمر لا بد منه، فإن على أولى الأمر تدبر المواصلات التي تصون المرأة، فأيّ كرامة لمجتمع تهان فيه المرأة في المركبات والحافلات. وإني هنا أخاطب بكل مسؤولية مَن قدّر الله تعالى عليه مهمة النقل، أن يعلم أنه حصن من حصون الأمة التي تُحفظ فيها المرأة أو تهان. إن المهمة قبل أن تكون وظيفة يسترزق منها أربابُها يجب أن تحوطها ضوابط الدين وقيم الأخلاق، فلتتعامل أخي السائق ويا أيها المكلف بتحصيل نقود الركاب مع النساء في حافلتك بأمانة وغيرة، وكأنك تتعامل مع أمك أو بنتك أو حريمكِ. لا ترضى للغافلات من النساء مزايدةً في الكلام أو غلظة في التعامل بنهر الحديث، ورفع الصوت، ولتنهَ عن المنكر بحكمة إن بدا منهن طيش أو خروج عن حدود الله. ولتدفع عنهن الاختلاط بالرجال بتعمد الزحمة ودك الحافلة بما لا تطيق، فإذا المرأة العجوز تُدفع، وإذا بأم الوليد تكاد تخرج أنفاسها وهي تحتاط لابنها، ومن ذلك الذي يرضى أن تهان أمُّه أو أختُه أو زوجتُه.. واستحضر معي يا كلَّ معتد على حريم غيرِه وعيد الله الشديد. وما كل امرأة ركبت الحافلة هي راغبة، فالكثير من الناس يركب رغم أنفه، ولنرحم الضعاف من النساء. وما كان رجلاً ولا شهما من استغل ضعف المرأة.. فما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم".. وكما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "الْمُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ وَالْفَاجِرُ خِبٌّ لَئِيمٌ" (رواه الترمذي وأبو داود وأحمد).
إخواني التجار وأصحاب المحلات..
الجميع يعلم بالأصل الذي جاء به الشرع الحنيف، أنّ الرجل هو المسؤول عن المرأة في قضاء مصالح الحياة، يكفي عنها غشيان الأسواق ودخول المحلات التجارية وارتياد الإدارات والمكاتب، إذ المرأة مكفولة في بيتها ولها من المهام المنزلية ما يشغلها عن الخروج من البيت إلا لحاجة وضرورة. وتلك حالات استثنائية لم تُمنع فيها المرأة من أن تبيع أو تشتري، أو تنجز ما به صلاح أمور الدنيا عندما يتقاعس الرجال عن أداء واجبهم، لكن وضعَ لذلك قيودا ضابطة وشروطا حافظة.
نبئوني أيها المؤمنون، أيّ خير يأتي من تجارة تُنتهك فيها حدود الله تعالى؟ ولأصحاب المحلات المسؤوليةُ العظمى في صون الشرف وحفظ الحرمات. أليس منكرا أخي التاجر أن تتعدى حدود الشرع والأدب مع امرأة عفيفة دخلت محلك التجاري، ربما تسترق النظر إلى ما بدا من زينة، أو تزايدها بكلمات لا علاقة لها بجانب المعاملة مستغلا غفلتها ووجودها في محلك.
وقد يعتذر إلي البعض من التجار ويتذرع بأن الحياء سقط عن الكثير من نسائنا، وأنّ البعض منهن هي المبادِرة بالغواية والمزايدة. قد يكون ذلك ولا ننكر، لكن أين الغيرة على الدين والأخلاق؟ وما دورك أنت، هل المتاجرة تعني التنكر لواجب النصح والتذكير بحدود الله الصارمة. أيكون العذر مقبولا إن وجدت ضعفا فانقدت إليه واستجبت لوسوسة الشيطان.
كيف لا تنجرف إلى العاطفة بعض النساء والعديد من تجارنا سامحهم الله تعالى في محلاتهم كمين تسقط فيها ضعيفات النفوس من اللائي فقدن الرجل الرقيب، كيف ترجو السلامة أخي لنفسك وللزبائن من النساء أو المراهقين من الشباب وحتى بعض الشيب الذين أبوا إلاّ أن يبقوا مراهقين بتصرفاتهم، كيف يسلم الكلّ وفي محلك صور كبيرة لفنانات وعارضات أزياء لاستجلاب الزبائن، أو على مجلات تخدش الحياء، ولا يهمك تصدير القيم الخاطئة بعد ذلك.
ولا تسل عن الموسيقى التي يقال إنها تجذب الزبائن وتوفر لهم راحة وهدوءا، ولم لا تنمي الذوق فيختاروا أفضل الموضات من ملابس تشخص العورة، وسراويل للنساء لا تستعمل إلا للخارج، أو كثير من مواد الزينة التي فيها كلام وضبطٌ، القليل منا يتورع ويسأل. والقاعدة أنّ كلَّ ما أدى إلى الحرام فهو حرام. إنّ القابض على دينه كالقابض على الجمر، ولك أخي التاجر في الحلال غُنية، وراحة في الضمير أنك لم تكن معول هدم للمجتمع، فأنت تعيش بالقيم وبالدين ولا يستو من كان أمر دينه همه وأولويته ومن سعى لجمع المال ولا يهمه من أين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيِّد المرسلين وبقوله القويم، أقولُ قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.