في عالم حافل بالصراع، لا صوت يعلو فوق صوت صفقات التسلح.
وسباق التسلح هذه الأيام له أرقامه ودلالاته التي لا تخطئها العين.
والسنوات الأخيرة ما عادت تعني سوى المزيد من العسكرة وشراء الأسلحة من جانب دول أو جماعات مسلحة.
فعلى الصعيد العالمي فإن نقل الأسلحة ارتفع بنسبة 24% خلال السنوات الخمس الماضية، مقارنة مع الفترة بين 2002 و 2006.
وبحسب تقرير المعهد الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم، لم يكن هناك سوى تأثير طفيف للربيع العربي على سوق التسلح، رغم أن نقل الأسلحة إلى الدول المعنية أثار جدلاً علنياً وبرلمانياً في عدد من الدول المزودة بالأسلحة.
وبالأرقام، فإن واردات الأسلحة السورية كان 72% منها مصدره روسيا في الفترة بين 2007 و 2011 وخصوصاً عام 2011 مع تقديم بطاريات صواريخ أرض- جو من نوع بوك- ام 2 اي وبطاريات الدفاع باستيون- بي، وهي أسلحة قد لا تكون مستخدمة في العمليات العسكرية الحالية، لكنها تعزز القوة الدفاعية للسلطات السورية في وجه أي تدخل خارجي محتمل.
من جهة أخرى، فإن البلدين وقعا السنة الماضية اتفاقاً لتسليم سوريا 36 طائرة مقاتلة وتدريب من نوع ياك-130.
تسليح دمشق يأتي في توقيتٍ بالغ الدقة، في ظل فرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حظراً على توريد الأسلحة للسلطات السورية، بسبب اتهامه بالعنف في لقمع الاحتجاجات الشعبية. دعونا هنا نشير إلى ما نسبته صحيفة الإندبندنت البريطانية إلى نائب وزير الدفاع الروسي أناتولي أنتونوف من أن بلاده ستلتزم بالعقود المبرمة مع سوريا، وذلك رغم التقارير التي تتحدث عن سقوط نحو عشرة آلاف قتيل منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا العام الماضي.
في سياق دولي أكبر، نلاحظ ارتفاع قيمة الأسلحة المستوردة من سوريا بنسبة 580 في المئة مقارنة بالكميات المستوردة بين 2003 و2006، ما نقل مستوى البلد في قائمة أكثر الدول المستوردة للسلاح من المرتبة 68 إلى 33.
ويتبين من التقرير أن استيراد الأسلحة التقليدية قد ارتفع بنسبة 24 في المئة بين عام 2007 و 2011، حيث كانت الولايات المتحدة المورد الأول، يليها روسيا فألمانيا ثم رومانيا.
يبقى القول إن سوق التسلح في آسيا شهدت نشاطـًا كبيرًا بين 2007 و 2011 مع تصنيف الهند أول مستورد في العالم وتحول الصين إلى دولة مصدرة.
وشكلت الهند، اكبر مستورد في العالم 10% من الواردات العالمية متقدمة على كوريا الجنوبية (6%) وباكستان والصين (5%) وسنغافورة (4%).
الخارطة السياسية توضح أن تسلح الهند وباكستان حلقة واحدة من مسلسل الصراع في شبه القارة الهندية، أما التسلح في الصين وكوريا الجنوبية فهو يلامس التوتر الحاصل في شبه الجزيرة الكورية بين شطري كوريا، وما يعنيه ذلك بالنسبة لقوى إقليمية مثل الصين.
ومن الواضح أيضاً أن أبرز الدول المستوردة في آسيا تسعى إلى تطوير صناعتها الخاصة من الأسلحة بهدف خفض اعتمادها على مصادر إمداد خارجية. وبالتالي فإن الصين التي كانت أول مستورد في الفترة بين 2006 و 2007 تراجعت إلى المرتبة الرابعة، وتزامن هذا التراجع مع تقدم صناعة الأسلحة الصينية وصادراتها من الأسلحة.
تلك العسكرة تعني الكثير، وتلغي بجرة قلم كل حديث عن السلام وأسلحة الردع، وما إلى ذلك من مصطلحات لا تعني شيئاً أمام آلة القتل أو أسلحة الدفاع عن النفس، فالفرق بين الجانبين يتضاءل يوماً بعد آخر.