بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وآله وأرضى اللهم عن أصحابه أجمعين
أما بعد فهناك الكثير من الناس إختلطت عليهم بعض الأمور في مسائل العقيدة والتوحيد وظنوا أن الله خلق الناس عبثا وتركهم هملا لهم الحق في أن يعتقدوا في الله ماتمليه عليه أهوائهم وأن يعبدوه بالطريقة التي وجدوا عليها أبائهم وأجدادهم وهؤلاء الفئام من الناس عندهم شبهة في ذلك بل قل عندهم شبهات لهذا فإني أنقل لكم مايمليه واجب النصح لعامة الأمة لتكونوا على الطريق المستقيم الذي ارتضاه الله لعباده الصالحين
يقول تعالى ذكره {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{56} مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ{57} إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ{58} فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ{59} فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ{60} } ...الذاريات
في هذه الآيات يبين الله تعالى الغاية من خلق الخلق بنوعيه من الانس والجن ، وهى "إلا ليعبدون" ومعنى العبادة في اللغة: التذلل والانقياد، فكل مخلوق من الجن والإنس خاضع لقضاء الله ، متذلل لمشيئته لا يملك أحد لنفسه خروجًا عما خلق عليه..... فالمراد بالعبادة التذلل والخضوع
والعبادة كما عرفها جماعة من أهل العلم بأنها
(إسم جامع لكل مايحبه الله ويرضاه من الأقوال الظاهرة والباطنة)
فالإسلام يوجب توحيد الله والإخلاص له سبحانه وتعالى ، والالتزام بدينه والدخول في الإسلام ، والبُعد عما حرم الله ، وأعظم الواجبات وأهمها :
توحيد الله والإخلاص له ، وأعظم المعاصي وأعظم الذنوب : الشرك بالله عز وجل ، وفعل ما يكفر العبد من سائر أنواع الإلحاد ، فالله سبحانه يقول : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ) النساء/36 ، ويقول سبحانه : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) الإسراء/23 ، ويقول سبحانه : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) الفاتحة/5 ، ويقول عز وجل : ( فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ) الزمر/2 ، ويقول سبحانه : ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) البينة/5 .
ويقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ ) متفق على صحته .
فَبَيَّن عز وجل وبَيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم
وجوب العقيدة ووجوب الالتزام بشرع الله ، وأن لا حرية للإنسان في هذا ، فليس له أن يختار ديناً آخر ، وليس له أن يعتنق ما حرم الله ، وليس له أن يدع ما أوجب الله عليه ، بل يلزمه ويُفتَرض عليه أن يستقيم على دين الله وهو الإسلام ، وأن يوحد الله بالعبادة ، وألا يعبد معه سواه سبحانه وتعالى ، وأن يؤمن برسوله محمد عليه الصلاة والسلام ، وأن يستقيم على شريعته ، ويوالي على هذا ويعادي على هذا ، وأن يقيم الصلاة كما أمر الله ، وأن يؤدي الزكاة كما أمر الله ، وأن يصوم كما أمر الله ، ويحج كما أمر الله .
وفي الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ :
يا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ ؟ قَالَ : ( أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ ) قَالَ : قُلْتُ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : (أ َنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ ) قَالَ : قُلْتُ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : ( أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ ) ، فأنزل الله في هذا قوله سبحانه : ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ ) الفرقان/68 – 70 .
فدل ذلك على أن توحيد الله والإخلاص له وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتحريم القتل وتحريم الزنا ـ أمر مفترض لابد منه ، وليس لأحد أن يشرك بالله ، وليس له أن يزني ، وليس له أن يسرق ، وليس له أن يقتل نفساً بغير حق ، وليس له أن يشرب الخمر ، وليس له أن يدع الصلاة ، وليس له أن يدع الزكاة وعنده مال الزكاة ، وليس له أن يدع الصيام وهو قادر على صيام رمضان إلا في السفر والمرض ، وليس له أن يترك الحج وهو قادر على أن يحج مرة في العمر ، إلى غير ذلك .
فلا حرية في الإسلام في ذلك ، بل يجب أن يلتزم الإنسان العقيدة الصحيحة ويدع ما حرم الله ، نعم ، له حرية في الأمور المباحة التي أباحها الله له ، له حرية في الأمور المستحبة التي لا تجب ، فلو شاء تركها لا بأس ، والمباح إن شاء فعله الإنسان وإن شاء تركه ، أما ما أوجب الله عليه فيلزمه فعله ، وما حرمه الله عليه فيلزمه تركه ، وليس له أن يعتنق الشيوعية أو النصرانية أو اليهودية أو الوثنية أو المجوسية ، ليس له ذلك بل متى اعتنق اليهودية أو اليهودية أو النصرانية أو المجوسية أو الشيوعية صار كافراً حلال الدم والمال ، ويجب أن يستتاب ، يستتيبه ولي الأمر المسلم الذي هو في بلده ، فإن تاب ورجع إلى الحق وإلا قتله ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ) رواه البخاري في الصحيح .
فمن بدل دينه دين الإسلام بالكفر يجب أن يقتل إذا لم يتب ، فبهذا يعلم أنه ليس للمسلم حرية أن يترك الحق وأن يأخذ بالباطل أبداً ، بل يلزمه الاستقامة على الحق ويلزمه ترك الباطل ، وعليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وينصح لله ويدعو إلى الله عز وجل ، وأن يحذر ما حرم الله عليه ، وأن يدعو الناس إلى ترك ما حرم الله عليهم ، كل هذا أمر مفترض حسب الطاقة " انتهى