ومـن الأخـطـاء الخـاصـة بالـصـيـام
عدم الإخلاص في الصيام:
فمن المعلوم من الدين بالضرورة أنه لا يُقبل أي عمل شرعي إلا بشرطين هما: الإخلاص والمتابعة، وهذين الشرطين في قوله تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:110]
{فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا}= المتابعة ، {وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}= الإخلاص
فكم من صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، وكم من قائم ليس من قيامه إلا السهر والتعب؟!
لأن عمله ليس فيه إخلاص، فتجده يصوم ويقوم من أجل رؤية الناس أو خوفاً من مذمتهم،
ولذلك تجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد على الإخلاص في الصيام، فيقول:
"مَن صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه"
قال أبو حاتم بن حبان ـ رحمه الله ـ: إيماناً بفرضه، و"احتساباً" أي: مخلصاً فيه
ولذلك تجد السلف أحرص الناس على الإخلاص؛ لأنهم يعلمون أن به يكون الخلاص.
فهاهو داود بن أبي هند ـ رحمه الله ـ:
صام أربعين سنة لا يعلم به أهله ولا أحد، وكان خزَّازاً يحمل معه غداءه من عندهم فيتصدَّق به في الطريق، ويرجع عشياً فيفطر معهم، فيظن أهل السوق أنه قد أكل في البيت، ويظن أهله أنه قد أكل في السوق.
وهاهو معروف الكرخي ـ رحمه الله ـ يقول عندما سُئل:
كيف تصوم؟ فغالط السائل، وقال: صوم نبينا صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، وصوم داود كذا وكذا، فألح عليه السائل، فقال: أُصبح دهري صائماً، فمن دعاني أكلت ولم أقل إني صائم. أهـ (سير أعلام النبلاء: 9/ 341)
يقول سفيان الثوري ـ رحمه الله ـ:
بلغني أن العبد يعمل العمل سراً، فلا يزال به الشيطان حتى يغلبه فيكتب في العلانية، ثم لا يزال به الشيطان حتى يحب أن يحمد عليه فينسخ من العلانية فيثبت في الرياء. أهـ
خطأ يقع فيه البعض عند رؤية الهلال:
فعند رؤية هلال رمضان، يقول البعض: "رمضان هلّ هلالك، جل جلالك، شهر مبارك"
وتناقل هذا القول الأجيال، حتى جعلوه سنة، وهذا خطأ، والصواب هو قول النبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا رأى الهلال قال صلى الله عليه وسلم: "اللهم أهلَّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله هلال رشد وخير" (رواه الترمذي من حديث طلحة بن عبيد الله)
عدم الفرح بقدوم رمضان؛ لأنه سيمنع الشهوات والملذات:
أهل الغفلة وبغاة الشر يستثقلون رمضان، ويعدون أيامه ولياليه وساعاته؛ لأن رمضان يحجب عنهم الشهوات، ويمنعهم اللذات،
وهذا كله ليس من تعظيم شعائر الله، فلابد أن تفرح النفس بقدوم هذا الشهر الكريم، وتستبشر بذلك استبشارها بقدوم حبيب غائب جاء من سفره، إذ أن التأهب لشهر رمضان والاستعداد لقدومه من تعظيم شعائر الله ـ تبارك وتعالى ـ القائل:
{ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }[الحج:32 ]
ولابد أن نعلم جميعاً أن ترك الشهوات في الدنيا من أجل الله سبب للفوز بها في الآخرة، وهذا مفهوم ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها، حُرمهما في الآخرة"
(البخاري ومسلم)
وقوله صلى الله عليه وسلم: "مَن لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة" (البخاري ومسلم)
وقوله صلى الله عليه وسلم: "مَن ترك اللباس تواضعاً لله وهو يقدر عليه، دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق، حتى يخبره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها" (الترمذي)
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تبارك وتعالى قضى على نفسه أنه مَن أعطش نفسه لله في يوم صائف؛ سقاه الله يوم العطش" (البزار)
ـ وفي رواية: "إن الله تعالى قضى على نفسه أن مَن أعطش نفسه لله في يوم حار، كان حقاً على الله أن يرويه يوم القيامة"
وقوله صلى الله عليه وسلم: " إن في الجنة باباً يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أُغْلِق فلم يدخل منه أحد" (البخاري ومسلم)
وفي رواية ابن خزيمة:"فإذا دخل آخرهم أُغلِق، ومَن دخل شرب، ومَن شرب لم يظمأ أبداً"
وغير ذلك من الأدلة التي تدل على أن الإنسان إذا تعجَّل الملذَّات والشهوات التي نهاه عنها رب الأرض والسموات حُرِمها في الآخرة، ومَن تركها لله في الدنيا نالها بأفضل منها في الآخرة.