الإحسان للوالدين
ويتوجه الله سبحانه وتعالى في الوصية الثانية للوالدين {وبالوالدين إحساناً}[الإسراء:3]، حيث لهما دورهما في وجودك، لأنهما الوسيلة العملية الفعلية له والذي خلقه الله ونظّمه وجعل له قوانين في جسد أبيك وفي جسد أمك، وتعهدك وأنت نطفة، فعلقة، فمضغة، ثم بعد أن صرت لحماً كسا الله العظام لحماً وأنشأك خلقاً آخر، وبعدها انطلقت في الحياة يرعاك أبواك اللذين أودع الله في كيانهما معنى المحبة والعاطفة والرعاية لك، ولولا ذلك لما أطاقا أن يتحملا مسؤوليتك لحظة واحدة، لما يترتب على ذلك من جهد كبير.
إذاً، الإحسان لوالديك هو العنوان الكبير لعلاقتك بهما، والطاعة لهما ليست بالمعنى الذي تطيع فيه الله أو تطيع فيه الرسول أو تطيع فيه أولي الأمر، لأن الله لم يجعل خط الطاعة للوالدين إلا من خلال علاقة الطاعة بالإحسان، فإذا كانت الطاعة في دائرة الإحسان كان عليك أن تطيعهما، أما إذا انطلقت الطاعة بخلاف مصلحتك أو مصلحة الأجواء من حولك أو بخلاف أوامر الله ونواهيه، هنا يقول سبحانه وتعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً}[لقمان:15]، {إما يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً* واخفض لهما جناح الذلّ من الرحمة وقل ربّ ارحمهما كما ربياني صغيراً}[الإسراء:23ـ24].
الرحمة في الكلمة، في الممارسة، في النظرة، في علاقتك بوالديك، لقد رحماك فرعياك في طفولتك، وعليك أن ترعاهما عندما تنطلق في حياتك وتصبح شاباً، لأنهما يحتاجان إليك {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}[الرحمن:60]، {ربكم أعلم بما في نفوسكم أن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفوراً}[الإسراء:25]، إن الله يعلم ما في نفوسكم ودوافعكم للعمل، ودوافعكم للبر بالوالدين، ودوافعكم في كل ما تقومون به، فإن تكونوا صالحين فإن صلاحكم يُجعل الأساس لغفران ذنوبكم التي أذنبتموها، فعليكم أن تعيشوا الصلاح في أنفسكم وفي أعمالكم، فذلك هو شرط غفران ذنوبكم أو أنه هو الذي يهيىء الفرصة للغفران فيما أراده الله لكم في الحياة.