مصطلحات اجتماعية: التركيب أو البناء الاجتماعي
Social Structure
شبكة
النبأ: يعتبر اصطلاح التركيب الاجتماعي من الاصطلاحات الرئيسية التي
تستعملها المدرسة الوظيفية التركيبية كمدرسة مهمة من مدارس علم الاجتماع
والانثروبولوجيا البريطانية. بينما يستعمل علماء الانثروبولوجيا الحضارية
الأمريكان اصطلاحات أخرى غير التركيب الاجتماعي في دراساتهم الانثروبولوجية
كاصطلاح العملية الحضارية واصطلاح التاريخ الحضاري.
في علم
الانثروبولوجي الاجتماعي يستعمل اصطلاح التركيب الاجتماعي بصورة متبادلة مع
اصطلاح المنظمة الاجتماعية، ويستعمل بصورة خاصة في تحليل مؤسسات القرابة
والمؤسسات السياسية والشرعية في المجتمعات البدائية. غير أن البروفسور فيرث
(Firth) لا يستعمل كلمة تركيب لتعني المنظمة الاجتماعية، ففي مؤلفاته
(عناصر المنظمة الاجتماعية)، (والتحول الاجتماعي في تكوبيا) حاول التمييز
بين هذين الاصطلاحين. فقال بأن المنظمة الاجتماعية تهتم بالقرارات والأحكام
التي تحدد نمط العلاقات الاجتماعية الحقيقية الداخلة في أقسام التركيب
الوظيفي للمجتمع. بينما التركيب الاجتماعي يشير إلى العلاقات الاجتماعية
الجوهرية التي تحدد الشكل الأساسي للمجتمع وتبين الطريقة التي بواسطتها
تنفذ الأعمال. أما فورتس فيعتقد بأن التركيب الاجتماعي هو ذلك الترتيب
المنظم والمتناسق للأجزاء المختلفة التي يتكون منها المجتمع كالمؤسسة،
الجماعة، العملية والمركز الاجتماعي. أما إيفان بريجارد فيذكر في كتابه
(النيور) بأن التركيب الاجتماعي هو العلاقات الاجتماعية التي تقع بين
الجماعات. بينما يقول ليج في كتابه (الأنظمة السياسية في مرتفعات البرما)
بأن التركيب الاجتماعي هو مجموعة الأفكار التي تهتم بتوزيع النفوذ والقوة
بين الأشخاص والجماعات.
إلا أن ظهور اصطلاح التركيب الاجتماعي في علم
الانثروبولوجي الاجتماعي البريطاني منذ زمن العالم رادكلف براون كان يرجع
إلى ثلاثة أغراض أساسية هي:
1- المحاولة التي تهدف إلى التمييز بين
الدراسات الانثروبولوجية المعتمدة على اصطلاح (الحضارة) والدراسات
الانثروبوولوجية المعتمدة على اصطلاح (العلاقات الاجتماعية). ومثل هذا
التمييز يوضح الفرق المنهجي بين علم الانثروبولوجي الاجتماعي البريطاني.
2- فصل المبادئ والأسس التركيبية والرسمية عن محتوى العلاقات الاجتماعية.
3- وفي علم الانثروبولوجي الاجتماعي يمكن التمييز بين التركيب الاجتماعي والوظيفة الاجتماعية.
وحاول
رادكلف براون أيضاً دراسة الفروق بين الحضارة والتركيب الاجتماعي. ففي
كتابه الموسوم (العلم الطبيعي للمجتمع) الذي ألفه عام 1957 يرى بأن حضارة
المجتمع تنعكس في أنماط سلوكية أفراده وفي تفكيرهم وشعورهم، بينما التركيب
الاجتماعي للمجتمع هو شبكة العلاقات الاجتماعية التي تربط الأفراد خلال
نقطة زمنية معينة. والتركيب الاجتماعي يعني الحالة الستاتيكية للنظام
الاجتماعي خلال فترة معينة، ويؤكد رادكلف براون ضرورة دراسة الحضارة دراسة
علمية عن طريق النظر إلى التركيب الاجتماعي لأن الأنماط الحضارية هي أنواع
من العلاقات الاجتماعية. أما علماء الانثروبولوجي الحضاري في أمريكا فقد
اعتقدوا بنفس المبادئ الحضارية التي طرحها مالنوفسكي وهذا ما جعلهم يبتعدون
عن الأفكار التي حملها رادكلف براون خصوصاً عندما صبوا دراساتهم على أصول
المنهج الحضاري وليس التركيبي لدى تخصصهم في دراسة المجتمعات البدائية.
فمثلاً
يؤكد جي. ميردوخ في مقالته الموسومة (علم الانثروبولوجي الاجتماعي
البريطاني) التي نشرها في مجلة الانثروبولوجي الأمريكي عام 1951 على أهمية
الحضارة في الدراسة الانثروبولوجية إذ يقول أن إهمال الجانب الحضاري من قبل
المدرسة الوظيفية البريطانية لم يساعد علماء هذه المدرسة على تفسير
الظواهر الانثروبولوجية الخاصة بالتحول الحضاري أو انتقال الحضارة ومرورها
من جيل لآخر أو انتشار الحضارة انتشاراً جغرافياً. أما ار. ليدى فيقول في
مقالته الموسومة (الاثنوغرافيا والانثروبولوجيا الحضارية والاجتماعية) التي
نشرها في مجلة الانثروبولوجي الأمريكي في عام 1953 بأن تحليل التركيب
الاجتماعي هو جانب واحد من جوانب دراسة الحضارة. بينما يتبع علماء
الانثروبولوجيا في بريطانيا نفس الأسلوب المنهجي الذي اتبعه رادكلف براون
إذ أنهم يعتقدون بعدم إمكانية الفصل بين الحضارة والتركيب الاجتماعي لكنهم
يعطون الأولوية للتركيب الاجتماعي باعتباره الموضوع الدراسي الأساسي في فهم
الحضارة. لهذا يقول فورتس بأن التركيب الاجتماعي ليس جانباً من جوانب
الحضارة وإنما هو حضارة الشعب بأكملها. ويضيف قائلاً بأن الدراسة التركيبية
تسمح للباحث التكلم عن جميع مستويات التركيب الاجتماعي كتركيب المؤسسات
الاجتماعية الثانوية والصغيرة. بينما الدراسة الحضارية ملزمة بمعالجة كل
صفة أو عملية حضارية وكأنها مساوية للصفة أو العملية الحضارية الأخرى.
إلا
أن الاستعمال الشائع لاصطلاح التركيب الاجتماعي في علم الانثروبولوجي
الاجتماعي البريطاني يعني مجموعة الأحكام التي تحدد نمط العلاقات
الاجتماعية وهذا الاستعمال يرجع إلى العالم رادكلف براون خصوصاً عندما تكلم
عن موضوع الشكل التركيبي. يعتقد رادكلف براون بأن التركيب الاجتماعي هو
حقيقة موضوعية توجد في نقطة زمنية معينة، بينما الشكل التركيبي للمجتمع هو
تجريد نابع من الحقيقة يوجد خلال فترة زمنية طويلة. إذن يستعمل علماء
الانثروبولوجي الاجتماعي البريطانيون مثل فورتس إيفان بريجارد، فيرث ونادل
اصطلاح التركيب الاجتماعي ليعنون به المبادئ التركيبية التي تكمن خلف
العلاقات الاجتماعية. لكن الشيء المهم في التركيب الاجتماعي ليس هو معرفة
الأجزاء التي يتكون منها أو معرفة العلاقة بينها وإنما هو إيجاد وتوضيح
المبادئ التي تحكم التنظيم التركيبي والقوة المؤثرة فيها. لهذا عندما نصف
التركيب نضطر للذهاب إلى المبادئ التي تكون الحياة الاجتماعية الحقيقية.
لكن فورتس لا يتفق مع قول رادكلف براون الذي ينص بأن التركيب هو عنصر جوهري
من عناصر العلاقات الاجتماعية لأنه يعتقد بأن التركيب هو فكرة تجريدية
يعتقد بها الباحث. لهذا يعتبر التمييز الذي رسمه رادكلف براون بين التركيب
الاجتماعي والشكل التركيبي تمييزاً لا يتسم بالشرعية. أما ليج فيعتقد بأن
التركيب الاجتماعي هو النموذج المنطقي للعالم الانثروبولوجي وقد أيد فكرته
هذه العالم ليفي ستراوس. غير أن العالم الانثروبولوجي نادل كان أول من حلل
اصطلاح التركيب الاجتماعي تحليلاً انثروبولوجيا علمياً إذ قال في كتابه
(نظرية التركيب الاجتماعي) الذي ألفه عام 1957 بأننا لا نستطيع دراسة وفهم
التركيب الاجتماعي بمعزل عن الأدوار الاجتماعية وذلك لأن التركيب يتكون من
مجموعة الأدوار الاجتماعية التي يحتلها الأفراد في المجتمع. وإن المجتمع
مكون من بنيات اجتماعية متعددة وهناك تكامل بين الأدوار الاجتماعية نظراً
لاتصالها الوثيق والمباشر بعضها مع بعض.
ويقوم رادكلف براون بالتمييز
بين التركيب الاجتماعي والوظيفة الاجتماعية فيقول بأن هناك التركيب
الاجتماعي للمجتمع الكبير. وهناك بنيات اجتماعية ثانوية تابعة له. وللتركيب
الاجتماعي الثانوي وظيفية اجتماعية أساسية إذا استطاع المحافظة على
الاستمرارية البنائية للنظام الاجتماعي الكبير.
وقد شاع استعمال
الاصطلاح في علم الاجتماع مؤخراً، إلا أنه لم يكن دقيقاً ومضبوطاً من ناحية
المعنى والأهمية. ففي بعض الأحيان يستعمل الاصطلاح (التركيب الاجتماعي)
ليعني انتظام السلوكية الاجتماعية أي أن السلوك الاجتماعي هو سلوك غير
عشوائي وذلك لتكراره بين فترة وأخرى.
وأحياناً يستعمل الاصطلاح في صورته
الواسعة ليعني التنظيم الشامل للعناصر والوحدات التي يتكون منها المجتمع
كالمنظمات والمؤسسات. وهنا تظهر العلاقة الوثيقة بين علم الاجتماع وعلم
النفس الاجتماعي في استعمال الاصطلاح في دراسة الجماعات الاجتماعية
المصطنعة أو الطبيعية.
ويستعمل الاصطلاح بكثرة في النظرية التركيبية
الوظيفية التي تعتبر من النظريات الحديثة التي يستعملها علم الاجتماع
المعاصر. يعني اصطلاح التركيب الاجتماعي عندما تستعمله النظرية التركيبية
الوظيفية العلاقة المتداخلة بين المراكز والأدوار الاجتماعية. وإن التفاعل
الذي يقع بين الأشخاص داخل النظام الاجتماعي يعبر عنه من خلال المراكز
والأدوار الاجتماعية التي يشغلونها. لكن العالم بارسن يعتقد بأن النظام
الاجتماعي (Social System) هو أوسع من التركيب الاجتماعي (Social
Structure) لأنه يشمل الجانب الوظيفي للنظام، النتائج السلبية والإيجابية
للبنيات الثانوية التي يتكون منها النظام الاجتماعي، إضافة إلى جانبه
التركيبي. يقول بارسن أن أساس الحقيقة الاجتماعية يرجع إلى عملية
داينيميكية، ولكي نصف ونفسر هذه الحقيقة ينبغي تجميد بعض أجزائها وهذه
الأجزاء المجمدة هي التركيب الاجتماعي على حد قوله.
ويرى بارسن بأن
التركيب الاجتماعي للنظام هو أكثر استقراراً من جانبه الوظيفي، ويعتقد أن
مؤسسات المجتمع ما هي إلا كتل معقدة تتكون من مجموعة المراكز والأدوار
الاجتماعية. إلا أن التمييز الذي رسمه بارسن بين المتغيرات التي تطرأ على
تركيب النظام الاجتماعي والتغيرات التي تطرأ على التركيب الاجتماعي قد اثار
انتقاد العلماء له خصوصاً عندما بالغ في أهمية التكامل التركيبي
واستمراريته. (1)
متعلقات
بناء اجتماعي(2)
البناء
الاجتماعي: هو الإطار التنظيمي العام الذي يندرج تحته كافة أوجه السلوك
الإنساني و يتضمن مجموعة النظم الاجتماعية ذات القواعد السلوكية المستقرة
التي تحكم الأنشطة الإنسانية المتعددة في مجتمع ما.. وبمعنى أخر يمكن تعريف
البناء الاجتماعي بأنه مجموعة الأطر التنظيمية التي تنتظم في إطارها كافة
العلاقات الإنسانية، سواء تلك العلاقات البينية بين الأفراد أو الأشخاص
داخل مجتمع ما،أو تلك العلاقات التبادلية بين الأفراد في مجتمع ما وغيره من
المجتمعات، و يمكن القول البناء الاجتماعي هو النظام الاجتماعي العام..
مما يتكون البناء الاجتماعي
يتكون
من مجموعة من الأنساق هي بمثابة نظم اجتماعية رئيسية ( نظام عائلة أو
قرابة، نظام سياسي، نظام معتقدات، نظام اقتصادي، نظام ثقافي .... الخ ) و
تتألف النظم الاجتماعية الرئيسية بدورها من مجموعة نظم فرعية.
البناء الاجتماعي..(3)
البناء الاجتماعي:social structure
هو
إطار المجتمع كعلاقة منظمة بين الوحدات الاجتماعية المختلفة (التجمعات
القائمة على القرابة، والجنس والسن، والمصلحة المشتركة، والمكان والمنزلة)
أو كنموذج مقام تبعاً لهذه العلاقة. وتعد دراسة البناء الاجتماعي جديدة
نوعاً ما على الإثنولوجيا والأنثروبولوجيا الاجتماعية. ويمكن القول إنها
بدأت براد كليف بروان الذي نمّى هذا المفهوم ليقابل بينه وبين مفهوم الكائن
العضوي في العلوم البيولوجية. وقد حاول البنائيون فيما بعد- وخاصة ليفى
شتراوس - تفيسر البناء الاجتماعي على أساس رياضي.
وهناك طريقتان على
الأقل لتناول مفهوم البناء الاجتماعي، ويبدو أن كليهما مشروع. ويرجع
التنافر بالتأكيد إلى غموض معنى كلمة بناء. ويقول كروبر: ((يكون لكلمة بناء
في بعض الأحيان معناها البديهي، عندما نتحدث مثلا عن بناء زورق الكانو*،
وهي تؤكد في بعض الأحيان الشكل، وأحياناً أخرى التنظيم كما هو الحال في
مصطلح البناء الاجتماعي الذي يميل إلى أن يحل محل مصطلح التنظيم
الاجتماعي)). ونجد أن معنى التنظيم هذا واضح أيضاً في تعريف كروبر وكلاكهون
للبناء، ألا وهو: ((طريقة انتظام الأجزاء بعضها مع بعض)). على أن البناء
الاجتماعي لا يفهم فقط كتنظيم بين أجزاء ، وإنما يمكن أن يفهم أيضاً كشكل-
أو إطار مجرد- كما هو الحال في بعض التعريفات الحديثة.
1- البناء
الاجتماعي هو تنظيم العلاقات الاجتماعية في كيان كل واحد. ويرتبط هذا
المفهوم للبناء الاجتماعي بمفهومي الوظيفة والتشكيل (جشطالت). وقد يظهر في
بعض الأحيان بشكل غير واضح في كتابات مالينوفسكى (في مفهومه عن ((الكيان
الكلى العضوي)) organic whole) على حين يحدده وارنر عن وعي بأنه ((نسق
للتجمعات الرسمية وغير الرسمية التي تنظم السلوك الاجتماعي للأفراد)). إلا
أن راد كليف براون هو الذي قدم أحسن تعريفات هذا النوع.
فيقرر رادكليف
براون أنه عندما يستخدم مصطلح بناء فإنه يعني: ((نوعاً ما من الترتيب
المنظم للأجزاء أو المكونات)). وهكذا فالبناء الاجتماعي هو ((تنظيم الأشخاص
في علاقات منضبطة ومحددة مؤسساتياً)) وهو ((شبكة مركبة من العلاقات
الاجتماعية)).ويرى ليفى شتراوس أن راد كليف براون لا يميز هنا بين البناء
الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية. ولكن هذا غير صحيح، إذ أنه هنا بصدد تعريف
تنظيم العلاقات الاجتماعية وليس طراز تلك العلاقات.
2- البناء
الاجتماعي عبارة عن نموذج model مقام على غرار الواقع الاجتماعي
الأمبيريقي، ولكنه ليس مطابقاً له. وكان أول من قدم هذا النوع من التعريفات
فيرث ، وفورتيس وليفى شتراوس. ويؤكد فورتيس أن ((البناء الاجتماعي لا يظهر
مباشرة في الواقع الملموس))، ويقول ((إننا عندما نصف البناء فإننا نصبح
كما لو كنا في ميدان النحو وتركيب الجمل، وليس في ميدان الكلمة المنطوقة)).
ويشير فورتيس في مناسبة أخرى إلى أن البناء الاجتماعي ((ليس جانباً من
جوانب الثقافة، ولكنه الثقافة كلها الخاصة بشعب من الشعوب موجهة في إطار
نظري خاص)). وقد رد لوي على هذا الرأي بأنه لا يستطيع أن يفهم الثقافة
الكلية لشعب ما على أنها مندرجة تحت البناء الاجتماعي. إلا أن ليفى شتراوس
يؤكد التفوق الكيفي للنموذج البنائي الذي يتطلب أبحاثاً ميدانية مستفيضة:
((هناك علاقة مباشرة بين صحة وعمومية النموذج المقام على غراره)).
ويذهب
نفس هذا الفريق من العلماء إلى أنه يجوز أن يندرج تحت البناء الاجتماعي
مجموعة كاملة من البناءات فهو ((نظام النظم)) على نحو ما يقول ليفى شتراوس،
ويتكلم إيفانز بريتشارد عن شرائح اجتماعية. وتشير هذه البناءات التحتية
(الفرعية) إلى أجزاء المجتمع مثل نسق القرابة، والتنظيم الاجتماعي (بمعناه
المحدود) والتدرج الاجتماعي.
ويرى ليفى شتراوس أن ((هدف دراسات البناء
الاجتماعي هو تفهم العلاقات الاجتماعية بمساعدة النماذج)). وسواء فهم
البناء الاجتماعي كنموذج أو كتنظيم للعلاقات الاجتماعية فإن البحث فيه يسعى
نحو الأهداف التالية التي حددها راد كليف براون وهي: التصنيف المنهجي
للأنساق الاجتماعية وتفهم ملامح معينة لأنساق معينة، والوصول إلى تعميمات
صحيحة بخصوص طبيعة المجتمعات البشرية.
ويخلص راد كليف براون إلى أننا ((نعني طبعاً مثل هذه التعميمات عندما نتكلم عن القوانين السوسيولوجية)).
تفاعلات الثقافة ومعاييرها - تحولات الذات الثقافية تنعكس في البناء الاجتماعي(4)
يؤكد
علماء الاجتماع ان المجتمع يعيش الحراك الدائم، حيث التفعيل المضطرد
للتغيرات النوعية في صلب الأحكام وما تنطوي عليه من أهمية مكينة في ترسيم
ملامح الهوية الاجتماعية واستمرار الوجود والحضور ومهما قيل عن هذا الحراك،
إلا أن الجوهر فيه يبقي مترسخاً في المضمون الذي تقدمه جملة الأحكام
والمضامين والقواعد، التي تكون بمثابة الموجه والضابط نحو تنظيم العلاقات
وتحديد الروابط بين الأفراد، لا سيما في مجالات التوجيه والتقويم. فالأمر
لا يتوقف عند مضمون الوظيفة الشعاراتية التي استغرقت بها بعض الجهات من اجل
ضمان سيطرتها وحلول مؤسساتها علي الفعل الاجتماعي، بقدر ما يكون مرهوناً
بالتطلع نحو ترصين مستوي العلاقات الاجتماعية، والحث نحو دعم المجال الذي
يتحرك فيه الفرد والعمل الجاد نحو تعزيز القيم الخاصة المرتبطة بالمعتقدات
التي لا تتقاطع مع المضامين العامة للمجتمع.
يمثل دور الدوافع حاضراً في
تحديد الامتثال للقواعد التي تحدد الفعل الاجتماعي للفرد، لا سيما
الداخلية منها، حيث يبرز الجانب الذاتي في إبراز مجال التفاعل مع النسق
العام الذي تتماثل فيه خطوط الحركة الفاعلة والشاملة للمجتمع. انطلاقاً من
مفهوم الخضوع لما هو عام وكبح جماح الرغبات الفردية، هذا بحساب ان حريتك
الشخصية تتوقف في حال تقاطعها مع مصالح الآخرين. وهكذا يكون للقواعد حضورها
في تقنين الفعل الفردي وتحديد مساره انطلاقا من أهمية الوعي بالفعل الجمعي
الذي يحدد مستوي القبول والرفض وتوجيه المواقف نحو الشمول الذي قد يتقاطع
كليا مع طبيعة التوجهات الفردية.
الصالح والطالح
تعكس العلاقة
القائمة بين الثقافة والبناء الاجتماعي، مدي التفعيل بين الجانبين في ترسمي
ملامح الدور الاجتماعي وحالة الخضوع المباشر للأفراد للمضمون العام
الجماعي الذي تمثله الثقافة. وعبر هذا المعني يكون التواطؤ علي المعاني
شديد الحضور للنهل من هذا المكنون العام الذي يلبي حاجات المجموع، علي
الرغم من وجود المرونة التي تقدم للفرد بعض الخيارات، وتجعله قادراً علي
التفاعل الإيجابي، وهكذا تبرز الثقافة مستوي الدور الاجتماعي، انطلاقا من
العلاقة الحاكمة والرابطة للإنسان بثقافة الجماعة لكن هذا الارتباط يبقي
طارحاً العديد من الخيارات والبدائل بفعل السعة التي يتضمنه مفهوم الثقافة.
تبرز
حالة التفاعل الاجتماعي، مدي التأثر الفردي من قبل الإنسان بالمحتوي
الثقافي، فيما تكون لملكاته العقلية الأداة الفاعلة في ترسم ملامح التغيير
والتبدل في المضمون الثقافي لكن الأمر برمته يقوم علي حالة التفاعل الدائم
بين طرفي العلاقة الإنسان والثقافة، هذا اعتبار التفاعل الجمعي الذي يجسده
منطق الانتظام في الجماعة الخاضعة للقيم المرتبطة بالأهداف والمعرفة
والأخلاق والذوق. حيث يظهر منطق التفعيل الذي يحفزه الفرد انطلاقا من
الإمكانات والقدرات العقلية التي تجعل من الإنسان قادرا علي صوغ المعاني
وتجسيدها في صلب المضامين الثقافية. والأبرز في هذا المجال يكمن في الخزين
المعرفي الذي يساهم وإلي حد بعيد في إنماء محتوي الثقافة من خلال تعزيز
مستوي التواصل وإبراز مجالات التنوع والاختلاف داخل مجال الثقافة.
يتمثل
الاختلاف الثقافي بين الجماعات، في حالة التطلع الدائب نحو تفعيل القيم
والمعايير والعلاقات داخل منظومتها من أجل مواجهة التحديات والمشكلات
والعمل علي تحقيق الحاجات وبلوغ الأهداف المأمولة. ويرتبط هذا الاختلاف
بالظروف الخاصة المتمثلة بالعوامل البيئية والتاريخية لكل مجتمع، فيما يكون
السعي حاضراً من لدن المجتمع الواحد نحو تحديد المعاني والقيم الخاصة به
وتنظيم قواعد السلوك لديه، ليثمر عن هذا السعي ترسيم معالم العلاقات
والأنماط السائدة، التي تكون بمثابة الدلالة والقيمات المميزة لهذا التجمع
البشري الذي
يسعي أفراده نحو تثبيته وجعله تقاليداً راسخة يتوارثها الجيل اللاحق.
تكمن
أهمية الثقافة في هذا المحتوي الجمعي، الذي يميز قسمات وتفصيلات الرؤية
المشتركة للمفاهيم وطريقة إدراكها، من حيث طريقة التفاعل والوعي بالأفكار
المتداولة، ومستويات الاختلاف بين ثقافة جماعة ما وأخري، ولا يتوقف
الاختلاف عند مجال الجماعات الاجتماعية المتمايزة بل انه يظهر في صلب تكوين
المجتمع الواحد. حيث تظهر الفوارق بين الفئات والطبقات الاجتماعية وحالات
التباين الجنسي والعمري وتظهر حالة الوقوف علي خصوصية الوعي الذي يعكسه
المجال الاجتماعي. فالفرد الواحد يمتلك خصوصيته الثقافية ولكن من دون
التقاطع مع المنظور الثقافي العام للجماعة فيما تتحول علاقات الفرد الواحد
بحكم الارتباط بحراك العلاقات الذي تجسده مستويات انتقاله وتفاعله مع محيط
جديد، ليكتسب رؤي وتصورات جديدة لكن التصورات الجديدة التي يكتسبها هذا
الفرد، لا يعني انقطاعه عن المعارف السابقة التي اكتسبها بل ان المقايسات
الثقافية يتم بلورتها وتنظيمها من خلال ترشيح القيم والمعايير الجديدة
بالقديمة، إذ يبقي القديم رابضاً في الذات لا يمكن إلغاؤه أو التنصل منه.
وهكذا يأتي المهاجر محملاً بقيمه ومعاييره، لتكون المواجهة في أشدها إزاء
مفاهيم ومضامين هي الأشد أختلافاً وتبايناً، لتبدأ مرحلة تداعي المعاني بين
ما كان وما هو قائم بين ما هو مأمول حيث عالم المثل الذي يترسم الواقع
برؤي وتصورات ملؤها الاختلاط والتداخل، وهذا ما تفصح عنه سلسلة المتقابلات
التي تولدها لحظة الصدمة الحضارية لدي المهاجر القادم من المجتمعات
التقليدية التي تسودها قيم التعاطف وسيادة الأدوار الجماعية وعلاقة
الخصوصية حيث طبيعة النظرة إليه كفرد، وعلاقات الانتماء التي تفرض حضورها
علي الواقع الاجتماعي والخضوع للموجهات الجماعية.. وتبقي هذه الموجهات
القيمية فاعلة راسخة الحضور في عقل المهاجر، الذي ينتقل إلي موجهات قيمية
جديدة قوامها العلاقات المباشرة الخالية من التداعيات العاطفية، والخضوع
لأهمية الدور وفاعليته في نطاق العيش، وفاعلية دور المؤسسة التي تجعل من
الفرد تابعا للهيئة العامة والاستناد في طريقه الاختيار إلي الكفاءة
والمهارة والقدرات الخاصة التي يحملها الفرد، وطبيعة التوجهات الفردية
المستندة إلي المنفعة والمصلحة.
أثر البطالة في البناء الاجتماعي(5)
البطالة
ظاهرة وجدت في أغلب المجتمعات الإنسانية في السابق والحاضر، ولا يكاد
مجتمع من المجتمعات الإنسانية على مر العصور يخلو من هذه الظاهرة أو
المشكلة بشكل أو آخر. إلا أن النظرة إلى البطالة بوصفها مشكلة اجتماعية
تخضع للدراسة والتحليل وفق منظور المنهج العلمي للعلوم الاجتماعية لمعرفة
حجمها وتحديد أسبابها وآثارها الاجتماعية في المجتمع لم تتشكل إلا في عام
1933، وذلك عندما عمد (1933) Jahoda et al. إلى وصف الآثار المدمرة للبطالة
في إحدى مدن النمسا، وتزامنت هذه الدراسة مع حالة الركود الاقتصادي التي
عاشتها دول أوروبا بشكل عام خلال فترة 1930.
ومنذ تلك الحقبة الزمنية،
التي تشكل فيها الاقتصاد بصورة دولية، أخذت المجتمعات البشرية المعاصرة
تعاني مشكلة البطالة بين فترة وأخرى، إلا أن نسب البطالة اختلفت من مجتمع
إلى آخر، كما أن كيفية التعامل مع العاطلين عن العمل أخذت أساليب مختلفة من
التجاهل التام لهم إلى الدعم الكلي أو الجزئي لوضعهم.
ومن الأهمية
الإشارة إلى أن البطالة ترتبط عادة وبشكل عام بحالة الدورة الاقتصادية
(Economic Cycle) للدول. حيث تظهر البطالة جلياً وتزداد نسبها في حال
الركود الاقتصادي العام (Economic Bust)، وذلك عند حدوث أزمات اقتصادية
"مؤقتة" ناتجة إما بسبب عوامل داخلية تتعلق بإجراءات العمل والتوظيف أو سوء
توافق بين مخرجات التعليم وسوق العمل، أو نتيجة لعوامل وضغوط خارجية تتعلق
بمنظومة الاقتصاد الدولي. أما إذا كانت الدورة الاقتصادية نشطة (Economic
Boom)، فإن ذلك سوف ينعكس على الاقتصاد المحلي من حيث انتعاشه ونهوضه
وتنوعه، مما يؤدي إلى توافر فرص عديدة ومتنوعة للعمل، ومن ثم تنخفض نسبة
العاطلين عن العمل في المجتمع، وبذلك يتضح أن للدورة الاقتصادية دوراً
أساسياً في تشكيل اقتصاد المجتمعات المعاصرة، ونشاط سوق العمل فيها.
مشكلة الدراسة:
تسعى
كثير من الدول في عالمنا المعاصر إلى دراسة البطالة وتحليل أسبابها
ونتائجها في مجتمعاتها بشكل مستمر ودؤوب، وتحاول جاهدة تحديد أعداد
العاطلين عن العمل ونسبهما مقارنة بقوة العمل من إجمالي تعداد السكان. لذا
تعد قضية البطالة، المتمثلة بعدم وجود فرص عمل تتناسب من حيث الحجم والنوع
مع القوى العاملة المحلية، من أهم الموضوعات التي أخذت تشغل السياسيين
وأصحاب القرار في الوقت الراهن؛ إذ اهتم هؤلاء بالعمل على وضع الخطط
والبرامج المدروسة لخفض نسب البطالة وتقليصها في مجتمعاتهم.
إن هذا
الاهتمام الكبير بقضية البطالة يأتي، بلا شك، من أهمية ظاهرة البطالة نفسها
وما يترتب عليها من آثار جسيمة ذات مساس ببنية المجتمع، وبخاصة تلك
المتعلقة بالآثار الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والصحية على أفراد
المجتمع ومؤسساته.
ووفقاً لذلك تكمن المشكلة الأساسية لموضوع البطالة في
هذه الدراسة في الحاجة إلى تحديد العلاقة بين حالة البطالة والمستويات
التعليمية للقوى العاملة من جانب، وحالة البطالة والجريمة من جانب آخر،
وذلك من خلال تحديد الآثار السلبية المترتبة على ارتفاع نسبة البطالة في
المجتمع، ومدى تأثيرها في الوضع الصحي والنفسي والاجتماعي والاقتصادي
لأفراد المجتمع.
أهمية الدراسة:
إن وضع أي برامج وخطط مستقبلية
لمواجهة مشكلة البطالة يكون عديم الجدوى إذا لم يكن هناك تبلور علمي ودقيق
لمفهوم البطالة ومدى حجمها. وتأتي أهمية دراسة موضوع البطالة من حيث
ارتباطها وتأثيرها في البناء الاجتماعي للمجتمع والمتمثل بالجوانب التالية:
الأمنية والاجتماعية والصحية والاقتصادية، وتتجسد هذه الأهمية بشكل أساسي
من خلال المعلومات والبيانات الواردة في الجزء الخاص بالإطار النظري لهذه
الدراسة، الذي يشير إلى ارتفاع نسبة الجريمة في المملكة العربية السعودية،
وبخاصة جريمة الاعتداء على الأملاك، المتزامن مع ارتفاع في البطالة أيضاً.
إن
مجموع هذه الآثار السلبية للجوانب الأساسية – المشار إليها آنفاً – في
البنية الاجتماعية للمجتمع السعودي تبرز مدى أهمية القيام بهذه الدراسة
وأولويتها من حيث ارتباط البطالة وعلاقتها بمتغيرات وأبعاد عديدة في البناء
الأمني والاجتماعي للدولة.
الجانب الأمني:
يتركز هذا الجانب في بحث
العلاقة بين البطالة والجريمة وتحديدها، إذ استقطب هذا الجانب اهتمام كثير
من الباحثين في مجال علم الجريمة والإجرام وعلم الاجتماع وذلك لارتباطها
بدراسة الأمن الاجتماعي والاقتصادي وحالة الاستقرار في المجتمع. وتتحدد
العلاقة بين الجريمة والبطالة في هذه الدراسة من حيث مفهوم البطالة الناتج
من عدم تمكن أفراد المجتمع من الحصول على عمل ثابت يكون مصدراً رئيساً
للدخل بالنسبة لهم، وذلك في حال بحثهم وسعيهم للحصول على عمل. ويخرج مفهوم
البطالة هذا حالات عدم العمل الناتجة من التقاعد أو العزوف الذاتي سواء كان
ذلك دائماً أو مؤقتاً، وبذلك يتحدد مفهوم البطالة المرتبط بالسلوك
الإجرامي بحالة البطالة الناتجة من ركود أو أزمات اقتصادية أو سوء تخطيط في
عملية تنويع العمل وتوزيعه، أو عدم توافق بين تأهيل مخرجات التعليم
ومتطلبات سوق العمل.
وعلى الرغم من وجود نوع من الاختلاف في النتائج
البحثية من حيث تحديد مدى درجة العلاقة القائمة بين البطالة والجريمة، فإن
كثيراً من الدراسات أشارت إلى وجود درجة مقبولة من الارتباط بين هذين
المتغيرين. إضافة إلى أن بعض الدراسات أكدت وجود علاقة اطرادية بين نسبة
البطالة والجريمة؛ فكلما زادت نسبة البطالة ارتفعت نسبة الجريمة (197: 1992
(Siegel,. كما أن (Sampson & Laub, 1993) قدماً دلائل على وجود علاقة
عكسية بين الاستقرار في العمل والجريمة لدى المراهقين.
وتعد جريمة
السرقة من أبرز الجرائم المرتبطة بالبطالة، حيث أشارت دراسة شرف الدين
الملك (1993) إلى اعتبار البطالة ضمن العوامل الرئيسة المؤدية إلى انتشار
ظاهرة السرقات في المملكة العربية السعودية. إضافة إلى أن بعض الدراسات
أشارت إلى العلاقة القائمة بين البطالة وانخفاض الرواتب، وبين الإجرام،
وبخاصة لدى الشباب الذين يتوقون إلى إثبات أو تركيز أنفسهم في المجتمع.
ويتوافق
هذا الافتراض مع نتائج دراسة خاصة عن جريمة السرقة في مدينة الرياض؛ حيث
إن من أهم النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة فيما يتعلق بمؤشرات
الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمحكمين بسبب السرقة تشير إلى أن (27.1%)
من أفراد العينة عاطلون عن العمل، أما غالبية أفراد العينة فهم من ذوي
الدخول المتدنية حيث (69.3%) من السجناء دخولهم الشهرية أقل من 1000 ريال،
وأكثر من (87.2%) من أفراد العينة دخولهم أقل من 3000 ريال (عبد الله
الوليعي، 1413هـ: 599-600). وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن بيانات
مركز أبحاث الجريمة تشير إلى ارتفاع إسهام العاطلين عن العمل من السعوديين
في حركة الجريمة في المملكة خلال عشر سنوات متتالية من 1408 إلى 1417هـ
(سلطان الثقفي، 2000: 558).
كما أن دراسة (Raphael & Winter-Ebmer,
2001)، حول تقدير تأثير البطالة في نسبة الجريمة، التي صنفا فيها الجرائم
إلى نوعين رئيسين: جرائم تدخل ضمن الاعتداء على الأملاك (السرقة، النشل،
وسرقة السيارات)، وجرائم تندرج تحت الاعتداء على النفس (القتل، الاغتصاب،
السطو والإيذاء الجسدي "المضاربة")، وأكدت نتائج دراستهما وجود علاقة ثابتة
ومطردة بين جرائم الاعتداء على الأملاك والبطالة، بحيث تزداد نسبة وقوع
هذه الجرائم بازدياد نسبة البطالة في المجتمع.
إضافة إلى أن دراسة أجريت
على عدد من المدن الأمريكية الكبرى كشفت عن وجود علاقة مقلقة بين ارتفاع
معدلات البطالة وارتفاع نسبة الجريمة العنيفة؛ إذ أشارت نتائج الدراسة إلى
أن ارتفاع نسبة البطالة في الولايات المتحدة الأمريكية بمعدل 1% يؤدي إلى
الزيادة في جرائم القتل بنسبة 6.7% وجرائم العنف بنسبة 3.4%، وجرائم
الاعتداء على الممتلكات بنسبة 2.4% (جيرمي ريفكن، 2000: 295). إضافة إلى
أنه من خلال استخدام بيانات عن الأقاليم والمناطق الأمريكية وتحليلها،
أظهرت دراسة لـ Gould, Weinberg & Mustard (2002) وجود علاقة معنوية
بين العاطلين عن العمل من الذكور ممن مؤهلاتهم التعليمية دون الجامعي
وجريمة الاعتداء على الأملاك، وبخاصة سرقة المنازل والسيارات.
وتؤكد
نتائج الدراسات السابقة عن الولايات المتحدة الأمريكية ما توصل إليه
Elliott & Ellingworth (1996) من وجود علاقة موجبة ومعنوية بين البطالة
لدى الرجال وجريمة الاعتداء على الأملاك على مستوى المناطق في بريطانيا.
وتجدر الإشارة إلى أن فئة الشباب الذين هم أقل حصولاً على دخل ثابت ومشروع
يتعرضون أكثر من غيرهم لارتكاب جرائم
الاعتداء على الأملاك (Baron & Hartnagel, 1997: 422).
وقد
أشار (2001) Baron إلى أن البطالة تؤثر في مدى إيمان الأفراد وقناعتهم
بشرعية الامتثال للأنظمة والمبادئ والقواعد السلوكية المألوفة في المجتمع.
وبذلك فإن البطالة لا يقتصر تأثيرها على تعزيز الدافعية والاستعداد
للانحراف، إنما تعمل أيضاً على إيجاد فئة من المجتمع تشعر بالحرية في
الانحراف. ووفقاً لهذه القناعة والإيمان فإن انتهاك الأنظمة والمعايير
السلوكية العامة أو تجاوزها لا يعد عملاً خطأ أو محظوراً في نظرهم؛ لأنهم
ليسوا ملزمين بقبولها أو الامتثال لها.
واتساقاً مع هذه النتائج تشير
الدراسة التي قام بها كل من Baron & Hartnagel (1997) إلى أن الفقر
والبطالة يؤديان إلى حالة من شعور الرفض والعداء تجاه المجتمع وعدم الإيمان
بشرعية أنظمته والامتثال لها، مما يؤدي إلى الانحراف والسلوك الإجرامي،
وبخاصة فيما يتعلق بجرائم الاعتداء على النفس. ويعزز هذا الافتراض ما أشارت
إليه دراسة عن حالة البطالة في المملكة العربية السعودية إلى أن "الفرد
العاطل قد يصاب بفقدان الشعور بالانتماء إلى المجتمع حيث يشعر بالظلم الذي
قد يدفعه إلى أن يصبح ناقماً على المجتمع".
لذا فإن ضعف الضوابط الأسرية
وتأثير القيم العامة الذي ينتج من ارتفاع نسبة البطالة في المجتمع يؤدي
إلى ضعف الاستعداد والقابلية للامتثال والتكيف مع الأنظمة والضوابط
الاجتماعية، وهذا الوضع يكون سبباً رئيساً في زيادة نسبة الجريمة، وبخاصة
جرائم الاعتداء على الأملاك (السرقة، النشل، وسرقة السيارات)، التي يصعب في
الغالب السيطرة عليها من قبل المؤسسات المعنية بالضبط الإداري (الأجهزة
الأمنية). وتؤكد هذا الافتراض نتائج دراسة عبد الله الوليعي (1413هـ: 150)،
التي أشارت إلى أن نسبة الذين لم يقبض عليهم ممن ارتكبوا جرائم السرقة
بمدينة الرياض من عام 1406 إلى عام 1411هـ بلغت (76.3%).
ووفقاً
لافتراضات الدراسات السابقة ونتائجها يمكن صياغة الكيفية التي تتشكل بها
العلاقة القائمة بين البطالة والجريمة على الوجه الآتي: تؤدي البطالة إلى
انخفاض أواصر الروابط التي يحملها الناس تجاه المؤسسات الرسمية والأنظمة
والقيم الاجتماعية السائدة في المجتمع، كما أنها تحد من فعالية سلطة الأسرة
بحيث لا تستطيع أن تقوم أو تمارس دورها في عملية الضبط الاجتماعي
لأطفالها، ومن ثم يترتب على انخفاض أواصر الروابط التي يحملها الناس وعلى
محدودية أو ضعف سلطة الأسرة قابلية الأطفال والشباب واستعدادهم للجنوح؛
وذلك لسهولة وقوعهم تحت تأثير القيم السائدة وسيطرتها لدى مجموعة الرفاق
(الزملاء) في الحي / الأحياء.
مفهوم الإنسان العربي الجديد بين البناء الثقافي والبناء الاجتماعي(6)
أولا الإنسان العربي والبناء الاجتماعي الثقافي:
قلنا
إن “الطبيعة توجد النوع، ولكن التاريخ يصنع المجتمع. وهدف الطبيعة هو
المحافظة على البقاء بينما غاية التاريخ أن يسير بركب التقدم نحو شكل من
أشكال الحياة الراقية هو منا نطلق عليه اسم الحضارة". ومن هنا باتت العودة
إلى التاريخ ضرورية. فإذا قمنا بتحليل للموروث التاريخي للإنسان العربي نجد
أنه يتوفر على المعطيات التالية:
أولا أن الإنسان العربي بات ومنذ
الهزة الأولى التي تعرض لها في تاريخه: تلك التي اصطلح على تسميتها
بـ:”الفتنة الكبرى”يفرق بين ماهو من أتباع معاوية أو ما إن كان من أتباع
(علي رضي الله عنه) وبالضبط على أيام معركة صفين سنة 37 هـ. إذن كانت تلك
بداية الهزة التي تعرض لها ضمير المسلم. إلا أن تلك الهزة لم تكن لتأثر في
عقله بالسرعة التي افتعلتها حكاية غاليليو والكنيسة المسيحية. ومن هنا
رأينا أن العقل تمتع بما يليق له من الازدهار والنمو والتطور إلى أيام ابن
خلدون حيث باتت مثلا مقدمته حروفا ميتة أمام رجل ما بعد الموحدين- حسب
تعبير بن نبي-. الشيء الذي جعل من المحاولات التي تلت هذا العصر تشوبها
شوائب عصر الانحطاط ومن ثمة فلا مكان لتقلد مهام التاريخ أمام هذا المجتمع
الذي كنا نراه أنذاك مترهلا تارة وجامدا تارة أخرى( حيث ضاعت العقيدة بين
جاحد وجامد) . ومؤرخو الفكر العربي يعودن بمحطته إلى نقطة البداية في
النهضة والتي كانت حسبهم تعود إلى صيحات كل من المدرستين : المدرسة
الإصلاحية والمدرسة الحديثة. وأن كل من هاتين المدرستين بقيت تراوح مكانها
في إيجاد المخرج للنهوض وللتطور.لكن هيهات والسبب يعود إلى انه يجب فهم
الذات العربية ومنها المجتمع العربي والإسلامي وذلك بإعادة بنائه
الاجتماعي.
وللحقيقة نقول أن البناء الاجتماعي إنما يتم من البناء
النفسي. أي بمعنى أنه لا بد من توفر عمليتين: أولاها أن نبني ذات الفرد
والتي بموجب -هذا البناء- يتحول الفرد إلى شخص. ثانيها ذاك الذي يتم في
تطابق تام مع هذا البناء والذي (هو البناء الاجتماعي. فيا ترى ما هي مقومات
البناء النفساني أولا؟ ثم ما هي مقومات البناء الاجتماعي.
للحقيقة
نقول أنه كي يتم البناء النفسي للذات العربية لا بد من عمليتين يجب أن
تتمتع بهما هذه الذات ، العملية الأولى وهي عملية تنحية لما علق بها من
شوائب رجل ما بعد الموحدين ذاك الذي لا يزال بيننا يحمل صوره وأفكاره ، كما
أن التنحية هذه تتطلب ما يسمى بالتغيير الجذري للأفكار وللعادات التي
ورثناها من ذاك العصر ( ولعل اجتهاد المفكر زكي نجيب محمود في هذا الباب
جدير بالملاحظة في كتابه تجديد الفكر العربي إلا أن هذا الأخير بات طرحه
متعلقا بتغيير في المنهج قبل الموضوعات أي في طريقة تفكيرنا وتعاملنا مع
الأشياء
.إلا أننا نقول أن التغيير هذا وإن كان جذريا فإنه ليس من قبيل “مستقبل الثقافة في مصر”.
لسبب بسيط هو أنه جرب كمنهج وأثبت فشله.
ثم
انه التغيير الذي هو مقام على أرضية صلبة أي على قواعد أساسها الغنى أي
غنى النفس، حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن المفلس فقال
ليس المفلس من لا درهم له ولا دينار وإنما المفلس هو الذي يأتي يوم القيامة
وقد شتم هذا وضرب هذا و.. أو كما قال. من هذا الحديث نفهم أن الرسول
الكريم كان بقوله هذا يريد بناء ذات الفرد: ومن هنا فإن جملة شروط أخرى
تكون في مقدمة هذا البناء أولاها البناء الفكري: علينا أن نرسخ في الأجيال
أن غنى الفرد من غنى أفكاره وأن إفلاسه من إفلاس أفكاره. كأننا نسترشد
بالقاعدة التي تقول كون لي جيل من الأشخاص (بل من الأفكار) أقول لك من أنت.
إن التقويم الفكري للذات العربية مهم للغاية، وهو الآخر يتطلب بناء لعاملي
الجذب والاطراد النفسي. أردت أن أقول أنه علينا في الوقت الذي نهتم فيه
بتصحيح وتوجيه علاقات الفرد مع غيره، علينا أن نهتم بانعكاس هذه العلاقة
على ذاتية الفرد نفسه. وهو ما يتطلبه منا العمل التربوي. يقول مالك بن نبي
في هذا المعنى”فكما أن الفرد والمجتمع – في الظروف العادية – يعملان في نفس
الاتجاه، فإن هناك تبادلا بين الانعكاس الفردي والعلاقة الاجتماعية وبفضل
هذا التبادل ينبغي أن نتوقع تدخل الواقع الديني في هذا الجانب الجديد من
المسالة.”. ومن هنا فإن البناء النفسي هو في الحقيقة كما أسلفنا عملية
تنحية وعملية بناء من جديد: عملية تنحية لمفاهيم ولأفكار ولسلوكات ولعادات
ولتقاليد، أثبتت –تاريخيا- أنها بالية ومن الأمثلة على ذلك السلوكات التي
تجعل الفرد محاطا بهالة من القمامة تطارده أنى ما حل : هذه السلوكات لابد
من توجيه جمالي يقومها. وكذلك فكرة تكديس الأشياء كأن يكدس الفرد مجموعة
هائلة من الأشياء وليكن مثلا هذه المرة مجموعة من الهواتف في مكتبه هذا
السلوك المشين لا يتقبله العقل وترفضه السلوكات المتحضرة ومنه فعلى عامل
التوجيه الثقافي أن يحل محله ، أي أن يمارس مهامه بل أن يتدخل بقوة السلطان
لأن( الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن). وكذا الحال مع تسيير وتيرة
العمل في المصانع وفي المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحتى
المؤسسات الكبر لأي بلد من بلداننا العربية ، فلابد من حسن استعمال الوقت
وهو أيضا عمل شاق لان به عملية تنحية لما لصق بالذات العربية التي كانت
تبني على أيام العباسيين، وأصبحت مترهلة على أيامنا( مقارنة بوتيرة العمل
والإنتاج التي تعرفها البلدان المتقدمة) إن المجهودات “الجبارة” التي بذلت
في ميادين التنمية لم تصل إلى المستوى المطلوب (لما نعلم أن ميناء روتردام
Rotterdam يصدر10 مرات ما تصدره كل الدول العربية مجتمعة ).
إذن إن الانسان العربي يعيش المسغبة والغبن رغم ثراء طبيعته.هذا الثراء الذي سبب له مشاكل.
هذه وليس المشكل في أنها “شفيت عرجاء”-كما يقال- وإنما المشكل في أن نتمادى في تركها
وشانها
.على الذات العربية هذه أن توفر القيام بالواجبات قبل المطالبة بالحقوق
وهي المعادلة التي باتت تؤرق سياسيينا لسبب بسيط هو أن هذه الذات العربية،
نسيت أو تناست أن القيام بالواجب سابق على المطالبة بالحق أو الاقتصار على
هذه المطالبة فقط – طبعا لما لحق بهذه الذات من شوائب الانحطاط- في هذا
المجال والذي بدوره سبب الانطفاء النفسي فلم تعد النفس هذه أو الذات
العربية هذه فعالة بالكيفية المطلوبة منها. وهو مرض كان قد أشار إليه حديث
الرسول صلى الله عليه وسلم يوما ما حين قال: “نعمتان مغبونان فيهم بني آدم
الصحة والفراغ”. ( والقانون الشاقولي بهذا الشأن ينزل كالصاعقة كلما دب في
الأنفس هذا المرض.ومنه فلكي نتحول من هذا الوضع بالذات العربية لا بد من
مسايرة الأجرومية للمنطق العملي بهذا الشأن.
وأما عن البناء الاجتماعي ونقصد به ما يمكن أن يقوم به المجتمع للإنسان العربي الجديد هذا.
هناك
قاعدة تقول ” والفاعلية تكون أقوى في الوسط الذي ينتج أقوى الدوافع وأنشط
الحركات وأقوم التوجيهات “. فإذا كانت الماركسية قد جعلت من الفرد بمثابة
الخلية من الجسم من دافع تغليبها للكل على الجزء، فإننا نقول أن هذا الكل
أي المجتمع لا يقوم إلا انطلاقا من فعالية أفراده. والمجتمع العربي :
يواجهه تحدي في مجاله الاجتماعي : هذا التحدي هو أن علاقاته الاجتماعية قد
تعرضت للتمزيق مع ذاك العهد(عهد النحطاط) الذي لا زلنا نعاني من ترسباته في
هذا الشأن.وأما اليوم فإن تلك “الحالة” لازالت معنا تطاردنا أنى ما حللنا.
ومرة قيل “أن الفرد للمجموع والمجموع للفرد”. ومعنى هذا أن المجتمع يكون
في عملية مد لعلاقاته بالأفراد فيه.- طبعا حتى لا تخلق تلك الهوة السحيقة
التي عبرت عنها حنة أ رندت حيث قالت: “…وبما أن المجتمع بمعنى “المجتمع
الصالح”اشتمل على مجموعة السكان التي لم يوجد لديها المال فقط، بل وجدت
لديها إلى جانب ذلك أوقات الفراغ ، أي الوقت الذي يخصص للثقافة ، فإن
المجتمع الجماهيري يدل بلا ريب على وضع جديد تحررت فيه جمهرة السكان من عبء
العمل المضني جسديا ، فأصبح لديها هي أيضا من أوقات الفراغ ما يكفي
“للثقافة”،إذن فالمجتمع الجماهيري والثقافة الجماهيرية ظاهرتان مترابطتان ،
لكن القاسم المشترك بينهما ليس الجمهور بل المجتمع الذي أدمج فيه الجمهور
أيضا. …”-
أعود وأقول هؤلاء الأفراد الذين يزودون المجتمع بما يملك من
أفكار ومن قيم ومن مادة اقتصادية. وسنأتي على تحليل لهذا الكل لنبين مدى
إمكانية مساهمة الإنسان العربي في التنمية.
.........................................................................
1- معجم علم الاجتماع، دينكن ميشيل
2- ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
3- شبكة النبأ المعلوماتية
4- د. إسماعيل نوري الربيعي / جريدة (الزمان)
5- الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض
6- د. الأخضر شريط/ موقع مالك بن نبي