المسجد ، مكان لعبادة المسلمين ، اختاره الله سبحانه وتعالى ليكون بيته في الأرض ، لا يشاركه فيه أحد . فقال [ وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا ] ( سورة الجن آية 18 ) وقال : [ ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولائك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم ] ( سورة البقرة 114 ) وقال أيضا [ إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الأخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين ] ( التوبة آية 18 ) نعم المكان إذن هو ، شرفه الله إذ نسبه إلى نفسه وجعله خير بقاع الأرض وأطهرها وأحبها إليه . أذن برفعها وتشريفها وتكريمها بسبب ذكر الله والتسبيح له وتلاوة آياته الكريمة فيها . [ في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو ولآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ] ( النور آية 36 – 37 ) . لأهمية المسجد في الإسلام ، كان أول عمارة أقامها النبي صلى الله عليه وسلم بعد وصوله المدينة مباشرة ، باعتباره مؤسسة إسلامية شاملة . يقول يوسف القرضاوي : ( المسجد مؤسسة إسلامية خالصة ، إسلامية علمية ، تعلمية ، تربوية ، اجتماعية ، جهادية سياسية ، مؤسسة إسلامية شاملة شمول الإسلام ) .
أما الحانة : فهي حانوت أو مقهى يباع فيه الخمر ويشرب ، وهو شر بقاع الأرض وأوسخها وأبغض مكان لله سبحانه وتعالى ، يحرم على المسلم دخولها أو الجلوس فيها . وهي أحب مكان للشيطان ، فيه تؤتى كل الموبقات وترتكب كل الآثام وفيه يعانق الشيطان أولياءه وذويه ويباركهم ويحثهم على المزيد من المعاصي . كلما ازدادوا شرابا وسكرا ، ازدادوا فسادا وفسوقا وبعدا من الله تعالى وقربا من الشيطان ، وحققوا الأخوة في الشيطان
. في المسجد : يشعر المسلم بالطمأنينة والسكينة وراحة غريبة تغمره ، حتى يخال إليه ، أن كل أعضاء جسده تشكره وتمتن إليه ، وتعده بالشهادة لصالحه يوم يطلب منها ذلك ، إذ أتى بها إلى المسجد ، لتشاركه الذكر والتسبيح وتلاوة القرآن الكريم وسماعه … ويلتقي بإخوة مؤمنين الصالحين أتقياء يتبادل معهم النصح والتوجيه ، الذي يكسبه سلوكا حسنا وأخلاقا حميدة وصفات نبيلة ، فلا ضحك ، ولا لعب ، ولا لغو، ولا بيع أو شراء ، ولا أكل ، ولا موسيقى ، ولا غناء ، ولا ثرثرة تسمع أو أصوات ترتفع ولو بالذكر وتلاوة القرآن، مخافة التشويش على المصلين أو المحاضرين والمدرسين والتلاميذ . نظام وهدوء ووقار ، الكل في ذكر الله وتسبيحه مستغرق .
في الحانة : يعم الضجيج ويعلو الصراخ ويكثر الشجار ويعم الخوف … في غمرة السكر يسرق ساقي الحانة أو الساقية ، أموال المخمور عن طريق استخلاص خمرا أو مشروبا كحوليا لم يشربه ، أو شربه غيره من أصدقاء السقائين وعن طريق مضاعفة ثمن المشروب إلى عشرات الأضعاف ، ومع ذلك تجد المخمور يدفع الثمن بكل رضا ، وهو الذي يبخل على أبيه وأمه وابنه وبنته وزوجته ، طريحي الفراش من شدة المرض بقرص أو قنينة دواء لا يتجاوز ثمنه 50 درهما ، أو هو الذي سرق أثاث بيته وحلي زوجته لبيعه ويشربه خمرا يتقرب به إلى شيطانه . من فرط الشراب ، لا يتحكم في أعضائه البيولوجية فيتبول في سرواله ، وربما قضى حاجته فيه ، وقد يتبول بعضهم على بعض من كثرة الازدحام على بيت الخلاء أو لعدم وجود الضوء في المرحاض ( حكا لي أحدهم ، أنه كان يشرب الخمر مع أصدقائه ، فأراد أن يتبول فذهب إلى المرحاض وكان مظلما لانعدام الإنارة ، فبدأ في التبول على صديقه المخمور، الذي كان بدوره يقضي حاجته في نفس المرحاض ومن شدة السكر، لم يستطع المتبول إيقاف بوله ، ولا الذي يقضي حاجته الوقوف من مكانه ، وإنما اكتفى بقوله أجئت من أحفير – ( مدينة صغيرة في شمال مدينة وجدة ) – لتبول علي في عقر داري يا فلان )
في المسجد : يعرض المسلم أخص مشاكله وقضاياه الدينية والدنيوية ، بتلقائية وبدون حرج ، على أهل الاختصاص من رواد المسجد وهو واثق ومطمئن لهذه المشورة ، لأنها من رجال أهل إيمان وهداية ، تقر العين بهم وترتاح القلوب إليهم ، إذا نصحوا صدقوا وأحسنوا النصح ، فيه يتعرض لنفحات المواعظ وروحانيتها التي تستأصل الخلق المشين وتبعد عن السلوكيات الرديئة وتكسب علما وأخلاقا طيبة ، فيه يلتقي يوميا مع رجال ويتعرف على آخرين يتآلف معهم ويتعاونون على الخير ويحاربون الشر ، إذا غاب أحدهم سألوا عنه ، وإذا مرض عادوه … هم إخوة متآلفون على الخير مجتمعون ، وعلى الشر متعاونون .
في الحانة : يعتدي السكارى بعضهم على بعض ويحتقر بعضهم بعضا بسبب وبدونه ، فيتبادلون السب والشتائم والركل والرفس ، حديثهم غيبة ونميمة ووقوع في أعراض الناس كذبا وبهتانا . يغيب العقل فتنفق الأموال على الخمر وما يصاحب الخمر من مأكولات ( القطعة ) وغواني وراقصات . يجوع الأطفال وتشرد الأسر ويهدر الزمان . قد لا يعود المخمور إلى بيته ، إلا مع الفجر، سرواله مبلل بالبول والبراز ، رائحته نتنة ، تفوح من ثغره رائحة الخمر والكحول ، ليسقط أمام عتبة داره أو لتمنعه الزوجة من الدخول إلى الدار … خوفا من ترويعها وأطفالها النيام ، ومن أن يتقيأ على الفراش والأبناء ويكسر ما تبقى من أثاث البيت . وتحت تأثير الخمر قد يقتل المخمور ابنه أو زوجته أو يقع على ابنته . من الحانة تعلن الحرب على الأبرياء وترتكب أبشع الجرائم في حق البلاد والعباد ، لأن منها يخرج المخمور سكرانا فاقدا للوعي ، ليقود سيارته ، دون اهتمام بالخطر الذي يهدده وغيره ولا بالمآسي والمفاسد والأضرار الاقتصادية والاجتماعية التي يتسبب فيها ، مثل الأمراض النفسية التي يتسبب فيها لأطفاله وإفساد الشباب وتخريب البيوت ( الطلاق ) وإزعاج رجال الأمن والقضاء والسجون وصرفهم عن مهامهم الأصلية ، دون أن ننسى الخسائر التي تتكبدها وزارة الصحة بفعل المخمورين …
في المسجد : تقوى روح التضامن والالتحاد بين عامريه وتتشكل أولى نواة الوعي والشعور بالانتماء إلى أمة الإسلام ، ويتساوى الشريف والوضيع والغني والفقير ، الكل سواسية يقف أمام الله كأسنان المشط ، فيه يحث خطيب الجمعة على خدمة الناس بعضهم لبعض ، وعلى البذل والعطاء والتشبث بمكارم الأخلاق ومنه يعلن الجهاد والطوارئ ، لمواجهة أي كارثة تهدد الناس في دينهم أو حريتهم أو وطنهم … من المسجد تنظم المظاهرات وتنطلق لمجابهة الظلم والاستبداد ، رافعة شعار الله أكبر . يقول يوسف القرضاوي : ( المسجد يقود الحياة الإسلامية ، كل ما هو إسلامي ينبغي أن يكون في رسالة المسجد ، يؤدي كل ما هو إسلامي ويدافع عن كل ما هو إسلامي وينصر كل ما هو إسلامي . ) في الحانة : تقبر الثقافة وكل فكر حر ويتعزز التجسس وتفرخ الوقيعة بين أصحاب المذهب الواحد أو الحزب الواحد ، وتنشط الرشوة وتباع المبادئ والذمم ، والدين والوطن دائما هو المستهدف . يقول صلى الله عليه وسلم [ أحب البقاع إلى الله مساجدها ، وأبغضها إليه أسواقها ] ” رواه مسلم ” وأضيف حاناتها . فأي الأماكن أحق بالارتياد ؟ وأي الفريقين أحق بالإتباع ؟ بقلم عمر حيمري