إن المواطنة الصالحة ليست استغلالا للمجتمع وليست بناء قواعد للمصلحة الخاصة، إنها تشكيل يدرك فيه الفرد أن المجتمع إنما هو جزء لا يمكن الاستغناء عنه تتداعى له بقية أجزاء المجتمع إذا تعرض لأزمة. السماح بتقسيمات أفراد المجتمع وفق مذاهبهم أو ألوانهم أو أفكارهم أو مناطقهم إنما هي مؤشرات على فقدان المحور الحقيقي الذي يدور حوله المجتمع، كما أنها دلائل على غياب تعريف المواطن الصالح، فليس المواطن الصالح هو من يشكر عندما تكون متطلباته مستجابة وليس المواطن الصالح الذي يمدح بينما كل قضاياه المعيشية يحققها بكل يسر وسهولة، وليس الموطن الصالح هو الذي يربح في المجتمع دون غيره، وكذلك ليس من تتحقق له كل أمنياته بينما لا تتحقق للآخرين. المواطن الصالح هو الذي يحقق لنفسه وللآخرين نفس الفرص للاستفادة من مقومات مجتمعه وهو الذي يرغب في أن تصل خيرات مجتمعه إلى كل أفراد المجتمع بلا استثناء وهو الذي يرفض كل إخلال في أنظمة المجتمع بل ويثابر من أجل تصحيح الأخطاء وفرض الأنظمة ومحاربة الفساد بجميع أنواعه. المواطنة الصالحة كالمؤمن تحتاج إلى الصبر عند الشدائد والشكر عند الرخاء، أما أولئك الذين يرون المواطنة عبر مصالحهم وأهدافهم فهم أولئك الذين ضيعوا علينا تلك المفاهيم الرائدة في المواطن الصالح. إشكالية المواطنة الصالحة أنها ظلت غائبة في مفهومها الذي يدعو إلى أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك من أجل مواطنة صالحة، فالمطالبة بمواطن صالح ليست عملا إعلاميا يمكن تحقيقه ببساطة، فهو كالإحسان في مراتب الإيمان لا يتحقق إلا بمراقبة ذاتية عالية المستوى لا تتداخل فيها الأبعاد الاجتماعية أو المصالح الذاتية