بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحب من أول نظرة : حب زائف ؛ كالشيك بدون رصيد !!
كثيرا ما تنخدع الفتاة المراهقة وغير المراهقة بكلام معسول قد يصدر عن شيطان بشري يكون شكله الخارجي على هيئة انسان ؛ وخاصة حينما تسمعه يقول لها : أنه بمجرّد رؤيته لها أول مرة ؛ أنها استطاعت أن تفتح كل أبواب وجميع شبابيك قلبه على مصراعيها بدون استئذان ، وأنها تمكنّت من دخوله سريعًا والجلوس فيه ، والتربّع على كرسي عرشه ، وأنها صبحت هي الملكة الوحيدة المتوجّةً والمطاعة فيه .
كما لايتورّع عن أن يضيف على قوله أيضا : أنه ومنذ لحظة أن رآها وهي لاتفارق تفكيره وخياله ، ولياليه وأحلامه ، وأنه لم يعد قادراً بعد الآن على أن يتخيّل حياته بدونها ، لأنه يذوب فيها ، ويذوب في هواها لأنها ملكته وتملّكته من أول نظرة رآها.....الخ ، من الأقوال الأخرى الكاذبة .
الأمر الذي يجعلها تصدق كلامه لتقع فريسة سهلة في شباكه وفي مصيدته وبين براثينه ومخالبه، ويجعلها تضرب بعرض الحائط عواقب ونتائج علاقته بها عليها وعلى سمعتها وعلى سمعة أهلها ؛ وخاصة إذا كان هذا الشخص ممن يجيدون فن التلاعب في الكلام ، وكان يعرف كيف يستطيع أن يوهمها بحبه وكان يعرف كيف يوقعها بحباله ، وكان يعرف ظروفها وكان يعرف نقاط ضعفها.
واستطاع استغلال براءتها وطهارتها ، و الضحك على سذاجة عقلها و التمكّن من إحكام سيطرته المغناطيسية عليها .
فيقوم بتسييرها حسب أهوائه وعلى مزاجه كما يريد ؛ لتصبح كالخاتم في اصبعه الصغير .وخاصة إذا تمكّن بدهائه ومكره وخبثه من اقناعها وافهامها بأنه هو قدر الله اليها وأنه هو نصيبها وأنه هو منقذها من كل ماتعانيه في حياتها ، وأنه هو فارس أحلامها الذي انتظرته سنين طويلة في أحلامها الورديّة ، وأنه هو ذلك الفارس الذي طالما تمنّت أن يأتي اليها من بعيد ليأخذها معه على حصانه الأبيض الجميل الى جنات الخلد والنعّيم .
وبعد ان يشعر انها اطمأنت له وبدأت تثق به فلايتورع من ان يزيد على الاكاذيب كذباً وتاليفاً بالقول : أنه الفارس المغوار الهمام الذي لايشق له غبار،( وهو في حقيقة أمره يموت فزعاً ورعباً إذا مرّ بجانبه فأر أو صرصار) ، ولاينسى أن يقول أيضاً بأنه ذلك الشهم الكريم السخي الذي لاتنطفىء له نار ( في حين أنه في واقع الأمر، انسان لئيم بخيل، حاقد حاسد يصاب بالحمّى والسّعار والدّوار إذا صرف درهماً او ضاع منه دينار ) ، ولاينسى كذلك أن يصف نفسه بأنه ذلك العابد الساجد الزاهد (في حين أنه هو في الحقيقة من يقوم بإعطاء الدروس للشياطين) ، ولاينسى أن يقول لها أيضاً إن الحياة جميلة .. لكن وجوده فيها ووجودها معه هو الذي يزيد الدنيا جمالاً وبهاءً وصفاءً . ولاعجب أن يقول لها أيضاً : "انا الذي نظر الأعمى الى أدبـــي ، وأنا الذي أسمعت كلماتي كل من به صمم " .
وبقي أن يقول لها : أنه لولا وجوده في هذه الدنيا لكان قد انحبس المطر ويبس الشجر ، وهلك الزرع والضرع ،وانتشرت المجاعة ، وماتت جميع الكائنات ، و فنيت الحياة على الأرض ، وقامت القيامة !! .
وربما كان سيزيد بجاحة ويقول لها : أن الشمس لاتشرق أصلاً ؛ إلا لكي توقظه من النوم ؛ ولايمكن لها أن تغيب قبل أن تستأذنه بالغروب !!! .
لكن ..وبالرغم من أن كل مايدعيه هذا الأفّاق الكاذب من أكاذيب ؛ فإن المشكلة والطامة الكبرى تكون حينما يغيب عن بال هذه الفتاة او تلك ؛ أنه انسان كذاب ومخادع ؛ لكنها تصدّقه وتثق به وكأنها مغيّبة عن الوعي ؛ فنراها تقرر أن تظل معه في هذا الهيام والغرام ؛ الى أن تأتيه الفرصة المناسبة لكي يأخذ منها غرضه .
والأمر الأغرب من هذا أنها لاتكتفي بذلك ؛ بل تظل على هذه الغفلة والغفوة ولا تفيق منها إلا بعد فوات الأوان ، إذ أنها سوف لن تعرف أنه كان يمثِّل عليها وكان يستهبلها ويستدرجها ؛ إلا بعد أن تراه يتنصل منها ، وبعد أن تشعر أنه يحاول التهرّب منها والإبتعاد عنها ، كما أنها سوف لن تتأكد من أنه كان يلعب فيها ويتسلّى بها إلا بعد أن يهرب بعيداً عنها تاركاً اياها تواجه العار لوحدها أمام أهلها ، لتصبح من أشد النادمين ومن أكثر الخاسـرين ؛ في وقت لاينفعها فيه النــّدم ؛ ( لأنه إذا فات الفوت فسوف لن ينفع الصوت ) .
وبناءً على هذا أقول : أنه من الخطأ الشائع أن نسمع و نقول ونردِّدْ مصطلح "الحب من أول نظرة " ؟؟!! بدون أن نعرف المعنى الحقيقي للحب . لأنه في رأيي المتواضع لايوجد شيء هناك اسمه "الحب من أول نظرة " ولا "الحب من آخر نظرة " !! فالإعجاب بالشيء شيء ، وحب الشيء ؛ شيء آخر !!.
أما لو جاز لكم السؤال عن المعنى الحقيقي للحب ؛ فالحب من وجهة نظري ماهو : إلا سوى مجموعة من المشاعر والأحاسيس التي تكون قد تولّدت في لحظة ما داخل خلجات نفس شخص ما نحو شخص آخر لسبب أو لآخر .
ومع استمرارية تواجد هذه المشاعر والأحاسيس وتفاعلها وتدفقها في نفسه ، ومع استمراية تدافعها وامتزاجها مع بعضها ، فإنه يُمكن لها أن تتحول فيما بعد الى مايسمى بعاطفة تسمّى "الحب ".
علماً أن كل هذه المشاعر ، وجميع هذه الأحاسيس فإنها غالباً ما تحتاج الى وقت طويل حتى تستقر في نفس المُحِب للمحبوب ، وغالباً ماتحتاج الى فترة طويلة جداً حتى تكبر وحتى تنمو وتشتد ؛ ويكون أمامها الكثير من الوقت لكي تتحوّل الى مايُسمّى "حب " .
مع العلم أيضاً أنه من الجائز جداً لها أن تظل تراوح مكانها بدون ، أن تتحرك خطوة واحدة للأمام ، وتظل كما هي مجرَّد مشاعر وأحاسيس صامتة لاأكثر ، ولا تستطيع أن تصل الى درجة الحب أو العشق في أي حال من الأحوال.
لذا فإنه يخطىء كثيراً من يظن أنه إذا رأي أيٌّ منّا شخصاً آخر فأعجبه منظره أو شكله او ابتسامته أو كلامه أو طوله أوعرضه أوشعره أو عينيه أو سيّارته أو موبايله أو...أو...أو..؛ أن يكون قد أحبّه فعلاً !!
لأن هذه الأمور ليست سوى مجرّد مظاهر زائفة لايمكن لها أن تخلق في النفس حباًّ حقيقيّاً ؛ بل إن كل مايمكن أن تفعله هو مجرّد الإعجاب فقط ، وطبعاً فإنه شتّان ما بين الحب والإعجاب !!
علماً إنني أتمنى فعلاً أن تكون دنيانا مليئة بالحب الحقيقي وليس الإعجاب فقط ؛ لأنه لاشيء أراه ينقصنا في حياتنا المعاصرة هذه؛ سوى الحب الحقيقي نحو بعضنا ؛ لأنه لو كان هناك حب بالمعنى الصحيح بين الناس!! فإننا لما كنا سنرى آلات الدمار وأسلحة الهلاك ، ولما كنّا قد عانينا من كل هذه المعاناة ، ولما كنّا قد رأينا كل مانراه من اشكالات ومنغِّصات ونزاعات ومنازعات وخيانات وخلافات واختلافات وجرائم وتفجيرات ، ولما كانت حياتنا تبدو لنا على هذه الهيئة من الأنانية المفرطة ، ولما كنّا نعيش في كل هذه العشوائية وفي كل هذه الفوضى العارمة ، ولما كان هناك حرب ولا قتل ولا دمار ولكانت البشرية قد عاشت البشرية بسلام وأمان .
ولهذا السبب فإن وجود الحب الحقيقي بين الناس هو ضرورة ماسّة لابد منها ؛ شأنها في ذلك شأن الهواء الذي نتفسه وشأن الماء الذي نشربه ؛ لأن الحياة بدون حب حقيقي هي صحراء قاحلة جدباء لايمكن لنا العيش فيها كما يجب .
أما إن لم نتمكن من حب الآخرين حباًّ حقيقيّاً ، ولم نستطع الحصول على هذا الشعورالسّامي بجمال حياتنا ونعمة الله علينا ، ولم نستطع أن نعرف مدى أهمية وجودنا في هذه الحياة ولم نعرف أهمية تواجدنا كبشر فيها ؛ فإن هذا الحب في هذه الحالة سيكون ومع كل أسف ؛ حــباًّ مزيَّـفـاً ؛ لايمكن أن يتم صرف أيًّ من شيكَّاته في أي بنك من بنوك القلوب المُـحبَّة حقاًّ ، وذلك لأنه في هذه الحالة سيكون حبّاً مشكوك في أمره ، وسيكون حبًّا مشكوك في أمر صاحبه ؛ لكونه حب بلا أحاسيس انسانية وبلا مشاعر حقيقية ، ولكونه أيضاً حب من غير أي رصيد ، لأنه يصدر من قلب ميت ؛ خال من صدق الإحساس ، وفارغ من نبل المشاعر ؛ مفتقر للحب ؛ نضحك فيه على أنفسنا ونضحك فيه على بعضنا وعلى غيرنا .
وختاماً ؛أرجو أن تسمحوا لي أن أنتهز الفرصة ؛ حتى أقوم بالدعاء الى الله سبحانه وتعالى لكم جميعاً أن يملأ حياتكم حباًّ ، وأن يجعل جميع أيامكم حبّاً ، بأن يفطّـركم حبّاً ، وأن يُـغدّيكم حبّاً ، وأن يُعّشّيكم أيضاً حبّاً .
كما أدعوه كذلك ألا يحرم شيكات قلوبكم من أن تكون عامرة دوماً بالرّصيد ؛ رصيد الحب ؛ لكي نظل ننعم بحياة دائمة ملؤها الحب والأمن والأمان والطمأنينة والإستقرار.