ما فتئ النظام العسكري الجديد، المنقلب على الشرعية في مصر، يباغت الرأي العام في مصر وفي العالم، بمفاجآته غير السّارة. فبعد موجة الاغتيالات، والاعتقالات والمداهمات والتضييق على الحرّيات، وبعد الاعتداء على الجموع، وقتلهم ركعًا سجدًا، وتشديد تظاهراتهم، وتفريقهم بددًا. ها هو الانقلاب العسكري، يسوق جموع المؤمنين من قادة وأعضاء الإخوان المسلمين إلى غياهب السجون، وأقفاص المحاكمات، ولا ذنب لهم إلاّ أنْ يقولوا ربَّنا الله.
بعد سلسلة المعاناة هذه يخرج النظام العسكري في مصر بما هو أدهى وأمر، وهو اتخاذ القرار السياسي بحلّ الإخوان المسلمين، ومصادرة ممتلكاتهم، ومنع تنظيماتهم، وتشميع مؤسساتهم. ولِمَ كلّ هذا؟ ألأجّل أنّهم وثقوا في الديمقراطية، فاحتكموا إليها كفيصل "عدل" بين المتخاصمين؟ ورضوا بالصندوق والانتخاب كفصل في الحكم وفي الخطاب؟.
إنّها الملهاة التي اتخذت طابع المأساة فقدمت على مسرح الحياة بأسوأ ممثلين، وأقبح ممثلات، محطمة كلّ منطق، وكلّ منهج لفلسفة الحكم والسياسات.
ذلك ـ إذن ـ هو مصير ثقة الإخوان المسلمين كتنظيم سياسي خرج إلى العلن وآمن بخضرة الدمن، وغفل عمَّا تتضمنه الديمقراطية في البلاد العربية من مظاهر العفن، ولا يُعذر الجاهل بجهله، والقانون لا يحمي المغفلين. فقد عايش تنظيم الإخوان المسلمين من التجارب المأساوية ما لا يشفع له في تلك الثقة المطلقة في دواليب السياسة المصرية، ودهاليز المنابر العسكرية، وصالونات القصور العربية، ودواوين المجامع الإسلامية.
ابتلي الإخوان المسلمون في حكم النظام العميل للانجليز بزعامة الملك فاروق، بكشف ظهور الإخوان المسلمين، بقتل مرشدهم الشهيد حسن البنا، وحلّ تنظيمهم، وإعمال يد القمع، والاعتقال في كلّ من ينتمي إليهم.