السياسة ممارسة الحقوق المدنية وصيانتها بوسائل مدنية. لكن الجهل بهذه الحقوق وبتلك الوسائل حول السياسة في هذه الصحراء الممتدة من الماء إلىالماء ..كل شيء يسألون فيه رأي المفتي ورأي الإمام ويستشار العسكري والتاجر والغريب والقريب حتى أصبحت القضايا السياسية محل فتاوى يتصدى لها أناس هم أبعد الناس عن فهم منطق السياسة في عصرنا هذا. من أعطى للمفتي حق إصدار فتوى في مسألة حقوق الناس أصلا؟ لقد أصبحت حقوق الناس الأصيلة محل مضاربة من قبل تجار جدد: تجار الحقوق. رأينا من يفتي بتحريم الديمقراطية ليحرم الناس من المشاركة في الحكم ولكنه حرض على الثورة على الحاكم في ظروف لا تسمح بالثورة أصلا فعرض الناس للتهلكة ثم أباح تدخل الأجنبي لحماية المواطنين المتمردين الذين صاروا ضحايا. وصار الأجنبي المتربص منقذا ونصيرا للمفتي وعصابته المتربصة بالسلطة. لقد بدأت الفتنة التي ذكرها القرآن الكريم : الفتنة أشد من القتل. ثم هاهم الناس ينتظرون فتوى المفتى لكي يقوموا بواجب قام به آباؤهم وأجدادهم لم يروا حاجة للمفتي: واجب الدفع عن حرية بلادهم واستقلاله. هاهم المفسدون الذين عاثوا في الأرض فسادا يستعينون بالمفتي ليدافعوا عن حقهم في مواصلة الفساد. ها هم السياسيون يتخلون عن ممارسة السياسة كما يمارسها خلق الله ويكتفون بالانتخابات كل 5 سنوات ويهددون من لم ينتخب بالويل والثبور وعظائم الأمور. ها هو الربيع العربي يتحول إلى كابوس : من تحطيم صنم الدكتاتور إلى تنصيب أصنام عديدةجديدة يصعب زحزحتها بحكم القانون. ويتحول الحراك الشعبي في بلدان إخرى إلى حجة للتدخل الأجنبي إلى الحرب الطائفية . كل هذا وفلسطين تزداد بعدا عن بؤرة الوعي العربي وعن محور النقاش العربي العام. والديمقراطية والحداثة والتنمية أصبحت وجهات نظر قابلة للنقاش. التبعية أصبحت إحدى الإستراتيجيات الممكنة.
هذه قضايا لا تصلح فيها أي فتوى.هذه مسائل تتعلق بالممارسة السياسية: ممارسة الحقوق المدنية بوعي :هذه مسائل تتعلق بالوعي السياسي. إما أن نكون أو لا نكون. لست في حاجة إلى أي فتوى. أرى ذلك بوضوح.