تَطرُقُ مَسامِعَنا, وَ تُراقِصُ أَفكارَنا, وَ تُداعِبُ مَشاعِرَنا, وَ تَنسِجُ أَروَعَ الَّلوحاتِ فِي مُخَيِلَتِنا كَـمَعزوفَةٍ موسيقِيَّة, هكَذا نَحنُ العَرَب, تَجذِبُنا بَلاغَةُ الكَلامِ, وَ سَجَعُ الكَلِماتِ, وَ وَزنُ الأَبياتِ, مَجلِساً نَحكِي بِـهِ عَنْ ذَواتِنا, أَو مُتَكَئَاً نَستَنِدُ عَلَيهِ فِي مَصائِبِنا, أَو مِنبَرَاً نَصدَعُ مِنْهُ بِـتَجارُبِنا وَ خِبراتِنا. وَ القَصيدَةُ كَـفَنٍّ راقٍ, وَ شَكلٍ جَذَّابٍ, وَ أُسلوبٍ رائِعٍ مِنْ أَساليبِ التَّعبيرِ, تَأخُذُ نَصيبَ الأّسَدِ مِنَ الإِهتِمامِ, بِـمُختَلفِ أَوزانِها وَ تَشَكُلِ أَنواعِها.
أَوَلُ ما جَذَبَنِي مِنَ القَصائِدِ عُمومَاً, وَ قَصائِدُ الحَبِّ خُصوصَاً, قَصِيدَةُ "قارِئَةِ الفنجان" للمبدعِ نِزار, لا أُخفي أَنَّها انتَزَعَتني مِنْ مَكانِي, وَ أَطلَقَتنِي حُرَّاً فِي سَماءِ الخَيال, وَ جَعَلَتْ مِنِّي بَطَلَاً فيها, أَزورُ العَرَّافَةَ بَحثَاً عَنِ المُستَقبَل, وَ أُسَلِمُها كَفِّي, وَ أُسَلِمُ ذاتِي خاضِعَاً لِقُدرَتِها في تَحليلِ الطَلاسِمِ وَ تَنَبُئِ المُستَقبَل, لِـتَحكي لي حِكايَتِي الَتي سَـأَعيشُها, وَ تَروي لي مَأساتي, بَلْ وَ تُمارِسُ دَورَ النَّاصِحِ في بَعضِ الأَحيان. وَ مِنْ إِبداعِها أَنَّها تَجعَلُكَ تَرسُم المَشهَدَ بِـكُلِّ مُؤَثِراتِهِ حَولَك, فَـتَرى ظَلاماً يُحيطُ بِـالعَرَّافَةِ المُتَلَحِفَةِ بِـالسَّوادِ, وَ الَتي لا يَظهَرُ في وَجهِها تَجاعيدُ السِّنين, وَ الوَشمِ المَنقوشِ بِـدِقَّةٍ عَلى ذَقنِها, وَ تَشُمُّ رائِحَةَ البَخورِ المُنتَشِرِ في كُلِّ زاوِيَةٍ مِنْ غُرفَتِها.
تَتَنَوَعُ الخِبراتُ الَتي تَحكي عَنها قَصائِدُ الحُب, فَـمِنْها ما يَروي قِصَّةً, وَ مِنْها ما يُجَسِدُ خِيانَةً أَو نِهايَةً غادِرَةً, وَ مِنْها ما يَرسُمُ فَرَحَاً وَ خَاتِمَةً سَعيدَةً. لكِن وَ الحَقُّ يُقال, أَنَّ قَصائِدَ الحُزنِ وَ الخِبراتِ الَتي امتَزَجَتْ بِـالأَلَم, تَتَصَدَّرُ كُلُّ قَصائِدِ الحُبِّ مِنْ ناحِيَةِ التَأثيرِ و الإِنتِشار, فَـتَجِدُ مَنْ نالَتْ مِنْهُ خِيانَةٌ, أَو صَدمَهُ القَدَرُ, أَو عاكَسَتِ الرِياحُ مُشتَهى سُفُنِه, تَجِدُهُ يَستَجدِي قَصيدَةً تَحكِي قِصَّتَهُ أَو تُحاكِي حالَتَه, فَـيَجِدُ شَيئَاً مِنْ مُواساةٍ بـأَنِّي لَستُ الوَحيدَ في هذا المَكان.
أَمَّا أَنا فَـتَراني أُفارِقُ الجُموع, وَ أَترُكُ العُموم, مُتَجِهَاً نَحوَ قَصائِدِالحُبِّ الرَّغيدَة, ذاتِ الخَواتيمِ السَّعيدَة, الَتي تَبرَعُ فِي مَزجِ المُكَوِناتِ, مُنتِجَةً إِكسيرَاً مِنْ هَناء, وَ دَيمومَةٍ وَبَقاء, واصِفَةً حالي, مُتآلِفَةً مَعَ ما يَجتاحُني مِنْ تَفاؤُلٍ وَ أَمَلٍ, وَ استِطلاعٍ لِـمُستَقبَلٍ يَمنَحُني بدلَةً سَوداء, وَ يَمنَحُها فُستانَاً أَبيَض, في مَشهَدٍ يَتَصَدَرُ رِوايَةً سَرمَدِيَةً, ما لَها بِـإذنِ اللهِ مِنَ انتِهاء.