د.رابح كشاد
عميد كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير
جامعة سعد دحلب البليدة
مدخل:
مما لا شك فيه أن ظاهرة الفقر أصبحت تشكل هاجسا لمختلف المجتمعات في العالم وبدرجات متفاوتة غير أن دول الجنوب أصبحت الأكثر فقرا في العالم. ففي هذا الإطار يكفي أن نعرج على بعض المعطيات حول مؤشر التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة لسنة 2001 إذ يوضح أن 1.2 مليار شخص في العالم يعيشون بدولار واحد في اليوم و2.4 مليار شخص يحصلون على دولارين في اليوم. وتبعا لنفس المصدر فإن 1% من الأكثر ثراء في العالم يستحوذون على حاصل مدخول 57 % من الفقراء.
إن هذه المؤشرات الجزئية يمكن أن توضح التوزيع غير العادل للثروات في العالم بين الدول الفقيرة والدول الغنية وكذا نفس الأمر داخل المجتمعات.
أما في ما يخص الدول العربية والإسلامية فهي تعاني – ولو بدرجات متفاوتة – من ظاهرة الفقر خاصة المادي منه. فمن خلال قراءة لمؤشرات الفقر لبرنامج الأمم المتحدة للتغذية لسنة 2002 فإن ظاهرة الفقر في البلدان العربية تتراوح بين 7% و%40.3. فلو أخذنا مثال الأردن والجزائر واليمن ( 7.2 % - 21.9 % - 40.3 % ) سنلاحظ أن هنالك تفاوت بينها مما يوحي أن انتشار الفقر في البلدان العربية متباين بين بلد وآخر تبعا لأسباب مباشرة وغير مباشرة.
من هنا جاءت هذه المحاضرة لتحاول المساهمة في النقاش حول أخطر ظاهرة تهدد العالمين العربي والإسلامي من خلال بعض التساؤلات هي:
- هل هنالك تعريف موحد لمفهوم الفقر ؟
- هل يمكن عرض بعض النماذج حول مؤشرات الفقر ؟
- هل هنالك بعض المعطيات خاصة بالجزائر ؟
- ما هي أهم اسباب محدودية إستراتيجيات محاربة الفقر في العالم العربي ؟
- وفي نهاية الأمر: ماذا يمكن أن نقترح ؟
1- تاريخ الظاهرة وإشكالية مفهوم الفقر
تعتبر ظاهرة الفقر من الظواهر القديمة فهي مرتبطة بعلاقة الإنسان بالثروة أو بطريقة أخرى تلك العلاقة بين العامل الديمغرافي والعامل الاقتصادي. فهنالك عدة نظريات تطرقت إلى هذه العلاقة وأشهرها نظرية مالتوس وغيره من العلماء والمفكرين.
لذلك تعددت تعاريفها وكذا مؤشرات القياس . إن تعدد التعاريف مرتبط بالمقاربات التي يعتمدها المختصون فالاقتصادي يركز على المؤشرات الاقتصادية من خلال عدة مؤشرات مرتبطة بالدخل والاستهلاك الفردي أما علماء الاجتماع فيركزون على المؤشرات الاجتماعية المتعلقة بظروف المعيشة من سكن، صحة وغيرها. غير أن مؤشرات المنظمات الدولية خاصة تلك التابعة للأمم المتحدة تحاول أن تجد تركيبا بين أهم مؤشرات القياس خاصة من خلال الدخل الفردي ومؤشر التنمية البشرية، فما هي مستويات الفقر؟
يمكن تحديد مستويات الفقر كما يلي:
- المستوى الجزئي (الفردي – العائلي...)
- المستوى الكلي (المجتمع)
- المستوي الدولي (الدول الغنية والدول الفقيرة)
- المستوى القاري (القارة الأوروبية – الإفريقية – أمريكا ..)
لذا فإن القراءات الكلية للظاهرة لا تساعد في الكثير من الأحيان على إبراز شدة الظاهرة بشكل أدق بحيث يمكن للمنظور الكلي أن يخفي التناقضات الجزئية بحيث إبراز توزيع الفقر في بلد ما بين المناطق أمر في غاية الأهمية. ففي إيطاليا مثلا نجد أن معدل الفقر في الجنوب هو أعلى منه في الشمال. وكذا الأمر بالنسبة لبلدان أخرى.