تاريخ النشر 21/02/2011 06:00 AM
إن تربية الصغار على معرفة حق الكبير واجبٌ على الأهل، لما في ذلك من التدريب على الخلق الإسلاميّ، ورعاية للحقوق التي افترضها الله تعالى على الناس تجاه الكبار في السنّ، فما من عملٍ يقترفه طفلٌ صغيرٌ أشدّ من أن يتطاول على الكبير، لذلك يقول عليه وعلى آله الصلاة والسلام:"ليس منّا من لم يوقّر الكبير، ويرحم الصغير، ويعرف لعالمنا حقّه".
فهو قد نفى عن هذا الإنسان الانتماء إلى الإسلام، بقوله "ليس منّا"، ما يؤكّد على عظم هذا العمل، وهناك أحاديث كثيرة جداً، تُظهر ما يتمتع به المسلمون من آدابٍ رفيعةٍ جدّاً، منها تكريم الكبار، ورحمة الصغار، وأن يعلم الإنسان للعلماء حقّهم.
توقير أهل العلم جزء من إيمان الإنسان
إن مدلول كلمة الكبير الواردة في الحديث الشريف مدلولٌ واسعٌ لا يقتصر على كبير السنّ، لذا لا بُدّ من معرفة الكبير...
بادئ ذي بدء، لا بدّ من القول إنّ الكبير هو الكبير في السنّ، وينبغي أن يُحترم الكبير في السنّ، وفق ما ورد في بعض الأحاديث:"ما أكرم شابٌ شيخاً لِسنِّه إِلا قيَّضَ اللهُ لهُ مَن يُكرمهُ عندَ سِنِّه".
لكن العالم كبيرٌ كذلك، والرجل حينما يوقّر أهل العلم يكون ذلك جزءٌ من إيمانه، وهذا من دوافع إقبال النّاس على العلم، أمّا حينما لا يُقدّر المعلم مثلاً يزهد الناس في هذه الحرفة.
قمّ للمعلم وفّه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا
ولا يُبالغ الإنسان، إذا اعتبر أنّ مقياس انضباط الأمّة الأخلاقيّ هو توقير الكبار، علماء كانوا، أو معلمين، أو كانوا كباراً في السنّ.
لذلك قالوا:العالم شيخٌ ولو كان حدثاً، ولو كان شابّاً صغيراً، ما دام طلبَ العلم فهو كالشيخ، والجاهل حدثٌ ولو كان شيخاً.
وقد يكون أحياناً ثمّة مهندسٌ يحمل شهادةً عليا في دائرة، وحوله مساعدين وكلّهم من كبار السنّ، وتجد إلى جانب مساعدٌ في الستين يقول له:سيّدي، هو بعمر ابنه، لكن لأنّه طلب العلم فاستحقّ هذا المكان والتكريم.
احترام الأب والأمّ من فضل الله علينا في بلاد المسلمين
من فضل الله علينا في بلاد المسلمين أنّ المتقدّم في السنّ يبقى بين أولاده يرعونه، ويقدّمون له كلّ الخدمات.
ومثال على ذلك أنّ إنساناً أخذ والده إلى بلادٍ بعيدةٍ ليُعالجه، فقال له الطبيب: لا يوجد أملٌ قضية أيام، سافرْ، فلمّا رآه بعد حين لمْ يسافرْ قال له: لِمَ لم تسافر ؟ قال له: لا يُمكن أن أسافر، فانتبه هذا الطبيب إلى تلك القيم التي يتمتع بها أبناء المسلمين.
فمن فضل الله في بلادنا الإسلامية أنّ الأب محترم، والأم محترمة، وأصعب شيءٍ في المجتمع أن يفقد الكبير احترامه، أو توقيره، وليس هناك من كلامٍ أبلغ من أن يقول النبيّ الكريم:"ليس منّا من لم يوقّر كبيرنا"
من معاني الكبير
1-المتقدّم في السنّ
2ـ العالم
3ـ من كان من أهل السلطة
فمن معاني الكبير إمامٌ عالمٌ، في قرية، أو ناحية، وهو رجلٌ مستقيمٌ يسعى لخدمة هذه البلدة، يُقيم العدل بين أفرادها، يُلبي حاجاتها، يحرص على سلامتها وأمنها، فهذا الإنسان يجب أن يُحترم، ويجب أن يُقدر، فصار الكبير من تقدّمت سنّه، ومن كان من أهل العلم، ومن كان من أهل السلطة، إذا كان إنساناً محسناً كريماً فلا بدّ من تكريمه أيضاً.
وهل من كلامٍ أبلغ من أنّ النبيّ عليه وعلى آله الصلاة والسلام أرسل كتاباً إلى قيصر، فماذا قال؟ من محمد بن عبد الله إلى عظيم الروم، هل هو عند رسول الله عظيم؟ هذه كياسة، وسياسة، وذكاء، وأدب، وأخلاق عالية.
فالإنسان الذي له منصبٌ نحترمه، سواء أكان يشغل منصباً إدارياً، علمياً، دينياً، نحترمه، أي نحترم الكبير، سواء أكان متقدّماً بالسنّ، وهذا هو الحدّ الأدنى، أو كان يشغل منصباً ما عُرف عنه أن يؤذي الناس فيه، وله سمعةٌ طيبةٌ.
ضبط اللسان من سمات المؤمن
كان سيّدنا العباس بن عبد المطّلب هو عمّ رسول الله، وأكبر من رسول الله سناً، سُئل سؤالاً عادياً، أيّكما أكبر أنت أم رسول الله ؟ قال: هو أكبر منّي وأنا ولدت قبله.
كذلك حصل مرة، إذ توفّى الله عالماً جليلاً، وترك عدداً من الأولاد، وأحد أولاده طالب علمٍ، وقد تسالم إخوته الأكبر منه سنّاً على خلافته أبيهم، في التدريس، وفي الخطابة، وفي الأعمال الدينية، فلمّا سئل أحد أخوته الكبار أيّكما أكبر أنت أم أخوك ؟ قال على الفور: هو أكبر منّي، وأنا ولدت قبله...
ومرّةً شكت امرأة زوجها، أنّه يصوم في النّهار، ويقوم في الليل، ولا يلتفت إليها إطلاقاً، فجاءت الخليفة عمر بن الخطّاب فقالت له: يا أمير المؤمنين إنّ زوجي صوّام قوّام، فما انتبه، قال: بارك الله لك بزوجك، لكنّ سيّدنا عليّ عليه السلام، قال له: إنّها تشكو زوجها، فهل من شكوى ألطف من هذه الشكوى؟ صوّامٌ قوّامٌ.
احفظ لسانَك أيُّــها الإِنسانُ لا يلدغنَّك إنـه ثُـــعبانُ
كم في المقابرِ من قتيلِ لسانِه كانت تهابَ لقاءَه الشجعانُ
فاذاشخص تجاوز حدّه مع آخر، وسكت الآخر عن فعله فسيُعيدها مع إنسان آخر، وإذا أعادها فربّما يكون في ذلك حتفه، والمطلوب إذا تجاوز طفلٌ حدّه يجب أن يوقف عند حدّه.
العمل الصالح يطيل العمر
هناك استنباطٌ أنّه إذا أكرمت إنساناً في الثمانين فلعلّ الله عزّ وجلّ يوصلك إلى سنّ الثمانين، حتّى يُسخّر لك شاباً يُكرمك في هذه السنّ. وفي الحديث أنّه "ما أكرم شاب شيخاً لِسنِّه إِلا قيَّضَ اللهُ لهُ مَن يُكرمهُ عندَ سِنِّه"
فالعمل الصالح يُطيل العمر، فيما العكس صحيحٌ، فما تطاول شابٌ على شيخٍ استخفافاً به إلا قيّض الله له من يستخفّ به ويتطاول عليه عند سنّه."فإنّ الخير لا يَبلى، والشَرَ لا يُنْسَى، والدَّيان لا يموت"
من إِجلالِ اللهِ إِكرامَ ذي الشَّيْبَة المسلم
قلنا في ما تقدّم إنّ الكبير هو المتقدّم في السنّ، والعالم وذا الرتبة الاجتماعيّة، وشاهدنا على العمر حديثٌ شريفٌ، يقول:"إِنَّ من إِجلالِ اللهِ: إِكرامَ ذي الشَّيْبَة المسلم"، وهذا هو المتقدم في السنّ فقط."وحاملِ القرآنِ غيرِ الغالي فيه، ولا الجافي عَنهُ، وإِكرامَ ذي السلطانِ المُقْسِط".
ولذلك قالوا:العدل حسنٌ لكن في الأمراء أحسن، والورع حسن لكن في العلماء أحسن، والصبر حسن لكن في الفقراء حسن، والسخاء حسن لكن في الأغنياء أحسن، والحياء حسن لكن في النّساء أحسن، والتوبة حسن لكن في الشباب أحسن.
أدب النبي الكريم وأصحابه
ورد أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، قدم عليه وفد عبد قيس وهم يقولون: قدمنا على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم فاشتدّ فرحه، فلمّا انتهينا إلى القوم أوسعوا لنا فقعدنا، فرحّب بنا النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ودعانا، ثمّ نظر إلينا، فقال:"من سيّدكم وزعيمكم؟ فأشرنا جميعاً إلى المنذر بن عائذ، فلمّا دنا المنذر أوسع القوم له حتى انتهى من النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقعد عن يمين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فرحّب به وألطفه، وسأل عن بلادهم"، فهؤلاء الصحابة وسّعوا لهؤلاء الضيوف، ووسّعوا لزعيم القوم، وهذه الآداب التي ينبغي أن يتمتّع بها الإنسان. قال:الكبير من تكريمه أن يقدّم للصلاة في الجماعة، وفي التحدّث إلى النّاس، أي نتمنّى عليه أن يُحدّث الناس.
وفي الأخذ والعطاء، أحياناً يكون هناك حفل توزيع جوائز، يختارون أكبر ضيف في الحفل ليقدّم هو الجوائز، هذه من لوازم تكريم الكبير.
على الأب ألا يتطاول وينتقد معلّم ابنه أمامه
الآن في التعليم، إذا كان هناك استهزاء بالمعلم أو تطاول عليه فالمعلم لا يُعلّم، أمّا إن كان هناك احترام، وإنصافٌ فالمعلم يبذل قصارى جهده ليقدّم كلّ علمه للصغار.
فكيف تتضعضع مكانة المعلّم في الصف، وكيف يُساء إلى القدوة، فالرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول:"إنّ الحياء خيرٌ كلّه".
طبعاً، فالفرق كبيرٌ بين الحياء والخجل، فالحياء أدبٌ رفيعٌ أمّا الخجل فمرضٌ نفسيٌّ، فالخجول يخجل أن يُطالب بحقّه، وهناك فرقٌ بين الخجل كنقيصةٍ بالإنسان، والحياء الذي يكون فضيلة.
الحياء شعبة من الإيمان
في الحديث الشريف "إنَّ لِكُلَّ دينِ خُلُقا، وخُلُقُ الإسلام الْحياءُ"، فالحياء شعبة من الإيمان، فلذلك حينما يتربّى الطقل على الحياء والأدب يحبّه كلّ الناس، فإذا لم ينتبه الأهل لقلّة أدبه ولتطاوله كرهه كلّ الناس.
إذاً، تربية الأطفال على احترام الكبير شيءٌ أساسيٌّ جداً، أي أن يحترم الابن والده، وأن يحترم عمّه، ويحترم خالته، ويحترم أقرباءه المتقدّمين في السنّ، لما فيه خير الولد وخير المجتمع، وحسنُ العاقبة في الدنيا والآخرة.
موسوعة النابلسي (بتصرّف)