عبد الرحمن بن خلدون 1332 – 1406م.
الرجل والظروف.
نشأت أسرة ابن خلدون بمدينة (قرمونة) بالأندلس التي استقر بها جدهم (خالد بن عثمان) ثم نزحوا بعد ذلك إلى (اشبيلية) وبدأ نجم أسرته يسطع في عهد الأمير عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الأموي.
وذلك أنه في أثناء ولاية هذا الأمير اضطربت الأندلس. وكانت (اشبيلية) موطن (ابن خلدون) في مقدمة المناطق الثائرة، واشترك في قيادة الثورة ولد من أحفاد خلدون هو: كريب بن عثمان بن خلدون، الذي استبد بالأمر واستقر بإمارة اشبيلية، ولكن حدثت في عهده عدة ثورات انتهت بقتله وسطع نجم الأسرة ثانية في عهد ( الطوائف)، ورقى بعض أفرادها إلى مراتب الرياسة والوزارة، ولما ضعفت (دولة الموحدين) نزح بنو خلدون إلى إفريقيا وتونس، حيث أكرم (الحفصيون) وفادتهم وتولى الجد الثاني لابن خلدون شؤون دولتهم بتونس، كما ولى جده الأول شؤون الحجابة.(1)
وفي كنف هذه الأسرة ولد عبد الرحمن ابن خلدون في تونس في 27 مايو 1332م ولما بلغ سن التعلم بدأ في حفظ القرآن وتجويده، ودرس العلوم الشرعية واللسانية والمنطق والفلسفة والعلوم الطبيعية والرياضية. وعندما بلغ الثامنة عشرة من عمره انقطع عن التعليم، بسبب انتشار مرض (الطاعون) وهجرة معظم العلماء والأدباء، وأخذ يتطلع إلى الوظائف العامة والسير في الطريق نفسه الذي سار فيه أجداده(2) فوصل إلى أعلى مناصب الحكم في عهود ملوك عديدين، فتولى كتابة السر، وخطة المظالم، وصار وزيرا وحاجبا وسفيرا ومدرسا وقاضيا وخطيبا (3)، ومن هذا نعرف:
1. أن أسرته كانت قريبة من الحكم والسلطان والسياسة، وكانت مهتمة في الوقت نفسه بالبحث والعلم.(4)
2. كان من شأن هذه البيئة الأولى أن بثت في نفس ابن خلدون حب المنصب والجاه من ناحية وحب العلم من ناحية أخرى، وقد كانت تتغلب واحدة على أخرى. زد على كل هذا أنه كان بالرجل نزوع إلى المغامرات السياسية، فكان يبادر كعادته إلى الانطواء تحت ألوية ذوي السلطان والوزراء والحكام، وقد كانت المغامرات السياسية ترفعه تارة إلى أعلى المناصب، أو تقضي به خلف جدران السجون.(5) وأما عن الملامح الأساسية للظروف المجتمعية التي عاش خلالها، وأراد الكتابة عنها، فكانت تشير إلى وجود نمط إقطاعي في مرحلة انتقالية محتفظة ببقايا من النظام العشائري المتفسخ. وكان النمط الإقطاعي آخذا في النمو، متوجها نحو التأثير سلبا في مركزية الدولة، ومعمقا من التناقضات الاجتماعية خاصة في الحواضر والمدن، هذه الظروف والملامح أثرت في فكره، بوصفها مسرح ملاحظاته ومقارناته واستنتاجاته.(6)
(1) علي عبد الواحد وافي، عبد الرحمن ابن خلدون، (بيروت: سلسلة أعلام العرب، العدد 54؛ وزارة الثقافة، القاهرة) ص 20- 24.
(2) المصدر السابق، ص24-39
(3) حسن الياعتي، علم الاجتماع الخلدوني -قواعد المنهج، (بيروت: دار النهضة العربية للطباعة والنشر، 1972م)، ص6 – 7.
(4) المصدر السابق، ص9.
(5) أنظر تفصيلا لمغامراته، وطموحاته، في مقدمته التي نشرها وضبطها، د. علي عبد الواحد وافي، ط1، مطبعة لجنة البيان العربي، القاهرة 1957م، ص48 وما بعدها. وأيضا د. عبد الكريم اليافي، تمهيد في علم الاجتماع، مطبعة الجامعة السورية، دمشق 1957م، ص70.
(6) أحمد الخشاب، التفكير الاجتماعي – دراسة تكاملية للنظرة الاجتماعية، (مصر: دار المعارف؛ 1970م)، ص291 – 292.